الفقه والشريعةقضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

*يوم عرفة*

الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف

almizan.ma

*يوم عرفة*
الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف
في رحاب يوم عرفة، حيث تتنزل الرحمات وتُغفر الزلات، يقف العبد بين يدي مولاه، متجردًا من زينة الدنيا، متوجهًا بقلبه ولسانه إلى خالقه، ما أعظمه من يوم تصفو فيه القلوب، وتتجرد فيه الأرواح من زحام الدنيا، لتقف بين يدي الله، ترفع أكفها، تُناجي بصدق، تُردد الكلمات التي قالها نبينا و النبيون من قبله، كلماتٌ هي مفاتيحٌ تُفتح بها أبواب السماء، وتُمحى بها الذنوب، وتُسكب بها الرحمة على القلوب العطشى؛ فهو محطةٌ يتوقف فيها الزمن، حيث تُراجع القلوب نفسها، وتُجدد العهد مع ربها، وتُعيد ترتيب أولوياتها، إنه يومٌ يُشبه نافذةً مفتوحةً على الرحمة، حيث تذرف الدموع، وتفيض المشاعر، وتنبض الأرواح بصدقٍ لم تعرفه من قبل، هناك، حيث يقف الحاج في صعيد عرفات، لا يُفرق بين أميرٍ وفقير، ولا بين عالمٍ وجاهل، الكل أمام الله سواء، الكل يحمل أمنياته بين يديه، يرفعها نحو السماء، والسماء تُناديهم أن تعالوا، فالرحمة بلا حدود، والمغفرة بلا قيود، وفي هذا اليوم، تُغفر الذنوب لمن صدق في طلب العفو، وتُقبل التوبة لمن ندم على خطيئته، وتُفتح أبواب الخير لمن قرر أن يبدأ صفحةً جديدةً مع ربه، إنه يومٌ يُشبه الغيث، يُطهر النفوس كما يُطهر المطر الأرض العطشى، يُحيي القلوب كما تُحيي الشمس أوراق الشجر بعد ليالي الشتاء القاسية، في هذا اليوم العظيم، يُستجاب الدعاء وتُعتق الرقاب من النار، كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: *”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”*، هذا الذكر الجليل، الذي يُعد من أعظم الأذكار، يجمع بين التوحيد الخالص والثناء على الله عز وجل، وقد بيّن العلماء أن هذا الذكر يُسمى دعاءً؛ لأنه يتضمن الثناء الذي هو مفتاح الدعاء، ولأن الله سبحانه وتعالى يُعطي من أثنى عليه أفضل مما يُعطي من سأله، “فالثناء على الله دعاء”، *”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير”* … أليست هذه الكلمات هي التي تهز الجبال، وتملأ السماء نورًا؟ أليست هي التي خُلق لأجلها الكون، وسارت على هداها الأنبياء؟ أليست هي زاد المسافر إلى الله، ونور السائر في طريقه، وأمان الباحث عن السلام؟ في هذا اليوم، يُستحب الإكثار من الدعاء والذكر، ورفع اليدين إلى السماء، والتضرع إلى الله، طلبًا للمغفرة والرحمة والعتق من النار، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من هذا الذكر في يوم عرفة، ويحث أمته على ذلك، لما فيه من تعظيم لله وتوحيد له، أليس يوم عرفة هو اليوم الذي يُقال فيه: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة” ؟ فهل أدركنا حقًا عظمة هذه الفرصة؟ وهل رفعنا أكفنا بصدقٍ، كما رفعها الأنبياء من قبلنا؟ …فيا من أدركت يوم عرفة، لا تفوت لحظات الرحمة، لا تُشغل نفسك بفتورٍ يُبعدك عن الدعاء، لا تُضيّع الفرصة التي قد لا تعود، فالسعداء هم من يُناجون الله بقلوبهم قبل ألسنتهم، هم من يُدركون أن هذه الساعات قد تكون أعظم فرصةٍ لهم في الحياة؛ فلنغتنم هذا اليوم المبارك، ولنُكثر من الدعاء والذكر، ولنجعل قلوبنا معلقة بالله، راجين رحمته ومغفرته، سائلين إياه أن يعتق رقابنا من النار، وأن يُدخلنا الجنة بغير حساب؛ فهو أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، وهو القائل في كتابه العزيز: “وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان”؛ وليكن هذا اليوم بدايةً لحياةٍ أكثر قربًا من الله، أكثر صفاءً في النية، أكثر ثباتًا في الطريق، وليكن هذا الدعاء دستورًا للروح، يُتلى في كل حين، ويُحفظ في القلب كما يُحفظ في اللسان، وهل هناك كنزٌ أعظم من ذلك؟
•-❈❉✿❀✺❖✺❀✿❉❈-•

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى