
almizan.ma
كلمة الأستاذ محمد الدرويش
رئيس مؤسسة فكر للتنمية و الثقافة و العلوم في افتتاح المائدة المستديرة حول موضوع :
الدراسات الافريقية ،
الأهمية و الآفاق.
أنعمتم مساء،
أما بعد ، يطيب لي أن ألقي أمامكم كلمة افتتاح أشغال هذا اللقاء الوطني الهام باسم الجهات المنظمة ، فأرحب بكم واحدا واحداً، و الذي ننظمه حول موضوع:
الدراسات الافريقية،
الأهمية و الافاق
برحاب المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، و هو نفس المكان الذي احتضن قبل ثمان سنوات خلال شهر يونيو من سنة 2014 ندوة دولية في موضوع:
/ المغرب و افريقيا الماضي و الحاضر و المستقبل /
شارك في اشغالها اكاديميون و سياسيون من مجموعة من دول افريقيا الفرنكوفونية و الانجلوساكسونية و العربية و التي انتهت اشغالها بإصدار نداء الرباط باسم المشاركين حيث اكدوا على الحاجة الدائمة و المتجددة للتشاور و تبادل الخبرات و التجارب و التعاون بين اساتدة الجامعات و الفاعلين من منظمات سياسية و اجتماعية و مدنية و اقتصادية و ثقافية لبناء نهج مشترك يهدف الى ضمان تنمية القارة الافريقية في جميع المجالات على اساس التضامن الفعال و الرؤية المشتركة للمستقبل مع المطالبة بالاعتراف بالجهود التي يقوم بها المغرب للمساهمة بجدية في الجهود الجماعية من اجل قارة جديدة بروح رابح – رابح و التأكيد على ان القارة الافريقية ما زالت تتعرض للتلاعبات المختلفة و التي تتسبب في الازمات و الصراعات الداخلية و التي تهدد الاستقرار في مجموعة من الدول الافريقية و الدعوة الصريحة الى ان يكون الاتحاد الافريقي مؤسسة قوية بهياكل جدية و فعالة و مناسبة لقضايا القارة في علاقاتها الدولية مع التنويه بانخراط المغرب في تنفيد سياسة افريقية بناءة من خلال سياسة التعاون جنوب – جنوب موجهين الطلب لرؤساء الدول الافريقية بالانخراط في اصلاح الاتحاد الافريقي و نداء للمملكة المغربية للعودة الى الاتحاد الافريقي /
و اليوم نعود لطرح الموضوع لكن بمنطق اخر و في ظروف مغايرة حيث نستحضر خلاله تاريخ الدراسات الافريقية ، و مجالات اهتمامات المؤرخين و السياسيين و الاقتصاديين بقارة لها التاريخ و الثروة الانسانية و الطبيعية و غيرهما ، و لدلك اضحت تشكل محط اهتمام كل القوى العالمية و فضاء التجاذبات السياسية و الاقتصادية خصوصا بعد ما عاشته الدول العظمى من ازمات مالية بعد سنة 2007 و انعكاسات دلك اجتماعيا و سياسيا ،
و لا بد من التذكير هنا بأن القرار الحكيم الذي اتخذه جلالة الملك محمد السادس و القاضي بعودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي و العدول عن سياسة المقعد الفارغ في هياكله بعثر أوراق خصوم المغرب بل إن الزيارات المكوكية التي قام بها جلالته لمجموعة من الدول الإفريقية و حجم الإستثمار الذي دشنه المغرب في دول افريقية بمنطق رابح – رابح كل ذلك أعاد المغرب لمكانته الطبيعية انتماء للقارة الإفريقية و استحضارا للعلاقات التاريخية التي جمعت بينه و بين دول افريقية عبر التاريخ و هي مبادرات لعمري جعلت دولا تستعيد الثقة في قدراتها و أدت إلى الى كثير منها بالجهر بأن إفريقيا للأفارقة في كل المستويات حتى تكون قادرة على رفع تحديات التنمية والتحديث ، و يمكن القول إن مجموعة من الأساتذة الباحثين قاموا بأدوار مهمة في نسج علاقات أكاديمية مع زملائهم في مجموعة من الدول الإفريقية و ذلك باب من أبواب التقارب و تبادل التجارب و الأفكار من أجل إفريقيا و تم ذلك من خلال شعب التاريخ بكليات الآداب و العلوم الإنسانية بدءا بالرباط و مرورا بكل الكليات و نسجل باعتزاز كبير الأدوار الوطنية بمنظور أكاديمي علمي و التي قام بها مجموعة من الأساتذة الباحثين المختصين و الدين ساهموا في تصحيح مجموعة من المغالطات حول إفريقيا و الأفارقة و كذا العلاقات المغربية الإفريقية بوجهات نظر إما قبلية أو عرقية أو دينية أو غيرها و استمرت الأجيال بعد هؤلاء المؤسسين في نهج نفس الطريق حتى توج هذا الإهتمام بتأسيس معهد خاص بالدراسات الإفريقية سنة 1987 بتعليمات سامية من الملك الراحل المرحوم الحسن الثاني هو معهد الدراسات الإفريقية ، المؤسسة الجامعية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط ، يهدف الى :
– دراسة التراث المشترك بين المغرب وباقي الدول الإفريقية و تعميق البحث في حضاراتها و لغاتها و لهجاتها و مقوماتها التاريخية والطبيعية.
– تنظيم الندوات و المؤتمرات و اللقاءات و المعارض بمشاركات وطنية و افريقية و المساهمة في تطوير البحث العلمي في المجالات الانسانية و الاجتماعية .
– انتاج و تجميع الوثائق والمراجع والكتب و الابحاث .
– مساهمة المعهد في المشاريع الوطنية الخاصة بافريقيا
و اقامة العلاقات الاكاديمية العلمية مع نظرائهم في الدول الافريقية و مع تنظيمات المجتمع المدني و السياسي و المؤسسات المماثلة .
و يقضي المقام بالتذكير بان معهد الدراسات الافريقية تداول على ادارته 5 مسؤولين
و هم على التوالي :
– أحمد توفيق 1990-1994 (تخصص:التاريخ)،
– الحسين مجاهد 1994-1997(تخصص:اللسانيات)،
– حليمة فرحات 1997-2003 (تخصص: التاريخ)،
– فاطمة الحراق 2003-2007 (تخصص: التاريخ)،
– يحيى أبو الفراح من سنة 2007 إلى سنة 2017 (تخصص الجغرافيا).
و لنا ان نعتز بان المغرب احتضن عبر الاساتذة الباحثين إما بصفة فردية أو مؤسساتية دراسات إفريقية و معهد خاص بها علما أنه قليلة هي الدول التي تحتضن هذا النوع من المعاهد الخاصة بهاته الدراسات كمصر و السودان و جنوب افريقيا و دول غربية …
و يجذر التذكير هنا أن دستور 2011 أكد بعبارات صريحة على الجذور الإفريقية باعتبارها أحد روافد الهوية المغربية ينضاف إلى ذلك تاريخ الكفاح المشترك بين المغرب و عدد من الدول الإفريقية في مواجهة الاستعمار و الاحتلال و تبني المواقف المبدئية في مساندة الدول التي لم تستقل بعد و هو الأمر الذي جسده بتميز كبير مؤتمر الدارالبيضاء خلال شهر يناير 1961 و الذي جسد النواة الأساس للوحدة الإفريقية المرجوة و التي سيعلن عن ميلادها باسم منظمة الوحدة الافريقية في شهر مايو 1963 و لن نذكر في هذا المقام بما تم تحقيقه أو إفشاله خلال مسارها و المناورات و الضرب تحت الحزام لخصومها بأدوات داخلية و خارجية شخصية و مؤسساتية مما جعل المغرب يتخذ القرارات الملائمة لأوضاع بعينها خصوصا خلال سنوات 1984 و 2017 حيث اتخذ المغرب قرارا تاريخيا اربك الخصوم و فرض إعادة ترتيب الأوراق الإفريقية و الدولية و المتمثل بعودة المملكة المغربية إلى الإتحاد الإفريقي يناير 2017 و مساهمته الجادة في البدء بمسلسل اصلاح داخلي و تصحيح لأوضاع هيمنة هذا الطرف او ذاك و يستمر الانخراط الجدي للمغرب في هذا المسلسل بقرارات جريئة و واعدة اقتصاديا و اجتماعيا و سياسيا و معرفيا دفعا بتنفيذ مقتضيات شعار إفريقيا للأفارقة و عليه و استحضارا لكل هاته المعطيات فان الحاجة ملحة الى مواكبة الاكاديميين و الباحثين لهذا المسلسل الطويل و المنتج و لابد من عمل جامعي جدي يرافق المبادرات و القرارات التي تتخذها الدولة المغربية في كل المستويات علما أن مجالات تحرك الأكاديمي أوسع و أرحب من تلك التي تكون للسياسي او الإداري و بذلك يحصل التكامل .
فبعد كل هذا و بعد الاشارات و التنبيهات و استحضارا لمبادرات و قرارات جلالة الملك محمد السدس تجاه افريقيا من خلال اتصالاته و جولاته عبر قطعه مآت الآلاف من الكيلوميترات و هو يدشن و يزور دولا إفريقية شقيقة و صديقة و ما نتج عن ذلك من قرارات مؤسساتية حكومية و خاصة في كل المجالات . الا يستحق ذلك مواكبة للدراسات الإفريقية لهاته المشاريع من خلال بنية وطنية متكاملة معرفيا و لغة و إداريا تتقاطع مع كل السياسات العمومية تجاه افريقيا و تعمل على تجميع تاريخ هاته العلاقات المشتت هنا و هناك و بذلك تزيد مكانة اساتذتنا الباحثين المختصين و يزيد عطاءهم و انتاجاتهم .
لكن مع كل أسف كان للحكومة السابقة رأي آخر اذ جمدت المعهد لمدة تقارب الست سنوات و عطلت دينامية الأساتذة الباحثين هناك و قرت ادماج معهد الدراسات الإفريقية و معهد الدراسات الابيرية و معهد البحث العلمي في معهد واحد لم يشتغل بعد .قد يكون ذلك مبررا لكننا نعتقد أن كل التبريرات و الحجج لن تبلغ درجة أهمية و مكانة المبادرات الملكية لسنوات تجاه القارة الإفريقية كما أنها لن تعدم فكرة مشروع إيجاد مؤسسة وطنية تعنى بقضايا إفريقيا و الأفارقة في زمن تمحي فيه الحدود بين المعرفي و الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي .فهل كانت الحكومة السابقة مصيبة / بالمعنى الفصيح للكلمة / في قرارها أم كانت مصيبة بمعناها الدارج . الزمن و آراء المهتمين و الفاعلين
سيساعدنا على الجواب.
لكل ذلك نوجه نداءنا إلى المسؤولين بالتفكير الجدي الذي يستحضر تاريخ المغرب و حاضره من أجل مستقبله في قلب إفريقيا و من أجل إفريقيا و مع إفريقيا .