
almizan.ma
في سياق ردود الأفعال التي خلفها مشروع نظام الباشلر يرى الأستاذ الدكتور الدرويش “انطلاقا من مجموعة من المعطيات التي رافقت الاعلان والاعداد لمشروع الباشلور منذ سنة 2018 ، مرورا بلقاء مراكش و الولجة ومجموع البلاغات والمذكرات والتصريحات التي صدرت عن قطاع التعليم العالي و البحث العلمي في الحكومة السابقة ، و استنادا إلى آراء و مواقف مجموعة من المؤسسات الدستورية، والاجتماعية ،والمدنية، و آخرها الرأي الذي صدر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين و البحث العلمي جوابا على طلب الرأي الذي تقدم به السيد رئيس الحكومة السابق يوم 13 شتنبر 2021، رأي استند فيه المجلس الى الخطب الملكية، و مقتضيات الرؤية الاستراتيجية 2015 – 2030، وأحكام القانون الإطار 17 – 51، وتوصيات اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، ونتائج دراسات المندوبية السامية للتخطيط بخصوص إدماج خريجي التعليم العالي في سوق الشغل، والدراسات والأبحاث التي قامت بها الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس، وكل ما راكمه المجلس منذ تأسيسه من نتائج لقاءات ودراسات وطنية ودولية في الموضوع”،
ويخلص الدرويش إلى أن “المجلس برأيه هذا عبر ملاحظات عامة وخاصة على صفحات الرأي من 7 الى 15 منه، و استحضارا لرأي المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين في مجموعة من القضايا و إشكالات منظومة التربية والتكوين عموما والتعليم العالي والبحث العلمي خصوصا و ما عبرت عنه جهات أخرى مؤسساتية أو أفرادا، كل ذلك يوحي باحتمال كبير تراجع الحكومة عموما، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي و الابتكار خصوصا ، ومجالس الجامعات والمؤسسات على وجه أخص، عن النظام البيداغوجي الجديد الباشلور، والاحتفاظ فقط بالنظام الحالي 3 و5 و 8، وذلك سيكون في اعتقادي نتيجة طبيعية للتسرع غير المفهوم للوزارة في الحكومة السابقة في إنزال مشروع نظام الباشلور دون توفر الحد الأدنى لضمان نجاحه من موارد مالية و بشرية و استشارات واسعة مع مكونات التعليم العالي؛
أقصد الأستاذة و الإداريين والطلاب ، و كذا تجاوبا مع آراء المؤسسات الدستورية والاجتماعية و المدنية و الهياكل الجامعية التي عبرت صراحة عن ملاحظاتها و مؤاخذاتها و غيرذلك في المشروع.”
ويضيف الدرويش “أن كل المؤشرات تحيل على ضرورة عدم المضي في تطبيق نظام الباشلور كما اكدت على ذلك قبلا ، أي التراجع عن المشروع في الصيغة التي تم اعتمادها من قبل عشرة جامعات، في حين لم يطبق في جامعتين اثنتين ، هما جامعة ابن طفيل ، و جامعة سيدي محمد بن عبد الله، بسبب رفض السيدات و السادة الأساتذة الباحثين لهذا المشروع نظرا لعدم وضوح الرؤيا في إعداده وعدم إشراكهم و عدم صدور النصوص التشريعية المؤطرة له، وإذا ما استحضرنا أن أعداد الطلاب المسجلين اليوم في هذا النظام هو ما يقارب 23500 طالب موزعين على 165 وحدة تكوين تقريبا ، و هو رقم ضعيف جدا إذا ما قورن بعدد طلاب التعليم العالي اليوم والذي يقارب المليون و300 ألف طالب، وحتى لا تتحمل الوزارة و الجامعات مسؤولية ضياع و تيه هؤلاء الطلاب الباشلوريين و قبل فوات الأوان أي قبل انتقالهم إلى الأسدوس الآخر، فإن التراجع يفرض نفسه بقوة، وطي صفحته. وهذا أمر لا ينتظر إلا القرار السياسي للحكومة عموما، و للسيد وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وبعده سيتم تصريف القرارات البيداغوجية والإدارية من قبل مجالس الجامعات والمؤسسات والرؤساء والعمداء والمدراء واللجان البيداغوجية،
أما الحل في موضوع تجويد منظومة التعليم العالي، فحلول متعددة، ومتداخلة، ومتكاملة، يمكن تلخيصها في فتح ورش مراجعة بعض نواقص النظام البيداغوجي الحالي: إجازة، ماستر، دكتوراه، مع إحداث رجة داخلية في هندسته و مضمونه تعليما وبحثا وابتكارا، وتدبيرا وتسييرا، وبإشراك فعلي وحقيقي للأساتذة الباحثين بكل الجامعات، و المدن الجامعية ،و مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعات، مع التفكير الدقيق في أمر تقوية الجوانب اللغوية، والكفايات الذاتية والحياتية، ووحدات الانفتاح لدى الطلاب، بتنسيق تام، ومحكم بين التعليم العالي والتربية الوطنية، خصوصا بين الثانوي التأهيلي و سنوات الإجازة، علما أن الورش الأهم في مسار حياة المتعلمين بهذا الخصوص، يجب أن ينطلق أساسا من مستوى التعليم الأولي، فخلال تلك المرحلة تتقوى الملكات والقدرات اللغوية، وغيرها لدى الأطفال، ومعنى ذلك أن الاشتغال يجب أن تنطلق الحكومة فيه بسرعتين اثنتين: واحدة من الطفولة المبكرة وأخرى في سنوات الانتقال من الثانوي إلى العالي، الأمر الآخر هو مراجعة شاملة للقانون 01-00 الذي أضحى غريبا على التعليم العالي من خلال مجموعة من الممارسات التي زكتها الوزارة الوصية خلال العشر سنوات الماضية، وتم عبرها تعطيل المقتضيات القانونية لهذا القانون، من مثل أدوار ندوة الرؤساء وشبكات العمداء والمدراء وإحداث مهام غير منصوص عليها في القانون من مثل الوسيط و شياع القرار المركزي في ضرب شامل لاستقلالية الجامعات و المؤسسات وغيره من السلوك الخارج عن القانون، كما يجب استعجالا إعادة الاعتبار لمهنة الاستاذ الباحث نظاميا ومجتمعيا من خلال المكانة التي يستحقها، مع الحرص كل الحرص على تحصين الأدوار الأساس للتعليم العالي، و المتمثلة في التكوين، و التأطير، و البحث، وإعداد النخب المواطنة دون تحويله إلى مؤسسات مهنية صرفة، مع الابتعاد عن منطق جعل الأستاذ الباحث معلمًا للمهارات الذاتية، والحياتية، واللغوية للطلاب على حساب أدواره الأساس، والأمر الآخر يرتبط بقضية ربط المسؤولية بالمحاسبة ومقتضيات الحكامة، فمن غير المعقول و لا المقبول أن يتم تدبير مرفق عمومي لسنوات دون تقديم الحساب سلبا و إيجابا، كما أن مراجعة طرق تعيين الرؤساء والعمداء والمدراء أمر يفرض نفسه، ولا يقبل أي تأجيل. فقد أثبتت السنوات أن عمليات اختيار الرؤساء والعمداء و المدراء في مجموعة كبيرة من المواقع مسرحيات سيئة الاخراج أدت إلى كوارث كبرى في التسيير و التدبير وانحراف عن الأدوار الاساس المنوطة بالمسؤولية الملقاة على عاتق مجموعة منهم، حتى صرنا نسمع بين مجموعة كبيرة من الأساتذة الباحثين الدعوة إلى العودة إلى النظام القديم في التعيين في المناصب العليا بسبب انعدام الموضوعية والحيادية و سيادة منطق الزبونية و المحسوبية في الاختيار، نضيف إلى ذلك ضرورة توفير الشروط المادية والأدبية لعمليات التعليم و البحث لدى الاساتذة و الطلاب. مع الاهتمام بقضاياهم الاجتماعية وإيلاء الوضعيات الإدارية لموظفي ومستخدمي التعليم العالي أهمية بالغة حتى يساهم ذلك في ضمان الاستقرار في المنظومة، مع ضرورة مراجعة ضوابط المساطر المالية و جعل الجامعات مستقلة حقيقة استقلالا إداريا وبيداغوجيا وماليا يجسد بالفعل مقتضيات اللامركزية واللاتمركز بانسجام تام مع منطق الجهوية وتوفير شروط وظروف البحث العلمي المنتج للطاقات والمساهم في تطوير منظومتنا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها”.
وفي أمل تغيير مرتقب يقول الأستاذ درويش: “إن تم كل هذا وأمور أخرى فلنتأكد أن الجودة ستعم كل مناحي منظومة التعليم العالي والبحث العلمي وستعود للتعليم العالي مكانته التي كان يحتلها منذ سنوات التأسيس إلى حدود سنوات من القرن الحالي”.
almizan.ma
الرباط في 1 يناير 2022