كتاب الراى

مؤتمر اللغة العربية وإشكاليات العولمة

الميزان / الرباط الدكتور سعيد أوعبو

almizan.ma

شهدت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط نشاطا ثقافيا ضمن سلسلة محاضرات مؤتمر “اللغة العربية وإشكالات العولمة” بقاعة المنوني بتاريخ 15 مارس 2022، وقد ترأسه باقتدار الناقد والدكتور محمد الداهي.

ناقش محمد جودات في مستهل مداخلته إشكالية اللّحن في الثقافة العربية، وسجالية قصديته وفهم المعنى، علاوة على سياق محاربة اللحن والخطأ المقصود في الثقافة العربية، ملمحا إلى ضرورة الحرص على طهارة اللغة مع ربطها بمركزية القرآن، تجسيدا للهوية الثقافية المعنية باستمرار السلسة الذهبية في صفاء اللغة، مع إيمانه بضرورة العودة للمنابع الأصلية، مشيرا إلى الأصوات الداعية إلى التنازل عن ترجمة القرآن خوفا من جرم اللغة، وأشار إلى النموذج العملي المؤمن بميكازمات التداول، ورفع الأخطاء إلى أعلى سدة حاكمة، وراهن المحاضر على ضرورة العودة إلى التراث والاستدلال بالأعلام في ما يتعلق بمحاكمة الخطأ سواء من قبل الحجاج أو ابن جني وغيرهم كثير.. وأصر المحاضر على أهمية الحفاظ على الدلالة إلى جانب النصوص الموازية من قِبل أسباب النزول باعتباره نصا حاملا للنص، فضلا عن أهمية السياسة اللغوية ومركزية اللغة في تأمين حمايتها من الاستعمار الخارجي..

أما الناقد إدريس الخضراوي فقد أحاط بتلقي إدوارد سعيد في الثقافة الفرنسية، مركزا على النظرية الأدبية وعولمتها إثر الهجرات النقدية والفكرية، وقد توقف الناقد عند موت إدوارد سعيد واستمرار الفكر الإدواردي في إثارة الأسئلة الفكرية والنقدية وإحداث رجة بشكل مطرد في الفكر النقدي، واسترسل المحاضر في تبيان القلق النابع من الثقافة الفرنسية ذات الطابع الأفرودي والمونوغرافي إزاء منجز إدوارد سعيد، وتغيا الناقد في هذا الصدد التنصيص على إشكالية التهميش المقصود لأفكار إدوارد سعيد الذي يتنافى والنظريةَ الفرنسية، وأقر إدريس الخضراوي أهمية إدوارد سعيد في تطوير النظرية الأدبية، وأن الرافد الأنجلوأمريكي يعتبر منبعا للدراسات الثقافية التي تأسست في نفس الفضاء، سيما في الكتاب الهام لإدوارد سعيد “الثقافة والإمبريالية”، وإظهار أشكال التفاعل الجديد مع الرواية في ظل المعطى المرهون بتقديم تصور مختلف للسائد مع لوكاتش وكولدمان في إطار تعريف الرواية، وعرّج الناقد صوب المقارنة بين النظرية الفرنسية والنظرية الأمريكية، هاته الأخيرة التي تُعرف بكونها امتدادا لما بعد البنيوية، وتنبيهه في هذا الصدد إلى الرؤية المبتسرة للثقافة الفرنسية ناظرةً إلى المنجز الأمريكي مع العودة إليه لاحقا للارتواء والاعتراف به عبر مساق يعيد الفضل إلى المدرسة الفرانكفونية، وقد أشار الناقد إلى أن نهاية العشرية الأولى من الألفية الثالثة قد عرفت الثقافة الفرنسية تحولات مهمة، أهمها تجديد الفكر من خلال اعتماد ما كان مهملا ومتجاوزا مع جملة من النقاد.

وعرض المحاضر العربي الحضراوي ورقة في سياق الثقافة ودورها في تطوير القدرة اللغوية للمتعلمين غير الناطقين باللغة العربية، مبرزا أهم الإكراهات التي أفضت إلى إعاقة المشروع التلقيني الذي يكرس مبدئيا الفعل التكسبي ويلغي في الجهة المقابلة سؤال المراهنة على تشخيص العوائق التي تكسر وتفكك الفعل التعليمي، مقرا في ذات الصدد على أهمية المعطى الثقافي وقدرته على تنمية المعرفة عند الآخر غير الناطقِ باللغة العربية، مع إحاطته بالضرائر الاجتماعية في تقريب المتعلم غير الناطق باللغة العربية من اللغة ذاتها، معربا على ضرورة تجاوز الانعزال الذي يحد من مستويات الثقافة عند الإنسان، وقد عرّج المحاضر على الأهداف والأدوار الثقافية في تعليم اللغة، وإثارته لبعض المؤلفات المهتمة بالتعليم في هذا السياق، دون إغفال السببية في تعقيد فعل التعلم من قبيل الصدمة اللغوية والثقافية وغيرها من الإكراهات التي تقوض الفعل، مشيرا إلى أهم العناصر الثقافية المؤطرة لفعل التعليم، ناهيك عن الأفكار التي يتبناها الطالب الغربي في نظرته للثقافة العربية التي يأمل من المعلم تصحيحها، وإعادة موقعة المتعلم للانطلاق من وضعيات تسمح بالتعلم.

وتفضل المحاضر إسماعيل الموساوي بورقة تستهدف الديالكتيكية المعنية بالمعلوميات وتدريس اللغة العربية، مستهلا مداخلته في عرض جملة من الإشكالات الرامية إلى خلق أفق ناظم باحث عن مآلات التعليم في المستقبل في إطار التحولات البنيوية في طبيعة النظرة إلى الواقع سيما في ظل الشروط الثقافية والسياقية، فضلا عن تساؤله عن طبيعة التخصصات المطلوبة والتخصصات القابلة للانقراض، وآفاق الجامعة في ظل رهانات المستقبل، مع الخوض في بعض التحولات التي تتصل بمهنة التدريس في سياق الواقع السائد الذي أفضى إلى الانتقال من الفصل المادي إلى الفصل الافتراضي، مستثمرا بعض التمثيلات المتصلة بنماذج بعض المهن التي اندثرت، مع قيامه ببعض الإسقاطات الساعية إلى تشخيص واقع الأمس وواقع اليوم، ملفتا انتباه الحضور إلى خلود الفن في ظلّ الرقميات مقارنة بغيره، ناهيك عن إثارته للأدوار العظيمة للكومبيوتر وآفاق التحول وقدرته على تشخيص مطالب ورغبات الطالب الذاتية أمام خاصية الذكاء الاصطناعي.. موردا المهارات ذات الأولوية في ما يتعلق بحل المشكلات في سياق الحوسبة الرامية إلى تشخيص الأعطاب بشكل تلقائي وآلي، واستمرار سؤال التغيير الذي من شأنه إلغاء الإنسان وسيطرة الرقميات على الواقع وتضاؤل الحضور البشري مقارنة بأدوار الآلة.

وقد عرف النشاط حضورا مهما ووازنا للباحثين والمهتمين، بالنظر لأهمية المحاور، وثقل الفاعلين والمحاضرين داخل النشاط الثقافي المتميز والرصين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى