الفقه والشريعةكتاب الراى

تيسير الحكم العطائية 6  

الميزان/ الدار البيضاء: الدكتور لرزق 

almizan.ma

الحكمة السادسة
(لا يَكُنْ تأَخُّرُ أَمَدِ العَطاءِ مَعَ الإلْحاحِ في الدُّعاءِ مُوْجِباً لِيأْسِكَ. فَهُوَ ضَمِنَ لَكَ الإِجابةَ فيما يَخْتارُهُ لَكَ لا فيما تَخْتارُهُ لِنَفْسِكَ. وَفي الوَقْتِ الَّذي يُريدُ لا فِي الوَقْتِ الَّذي تُريدُ ).
تعريفات:
أمد: غاية أو مسافة. طالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ: أي الوَقْتُ و الزَّمانُ.
ألَحَّ: كرر على وجه واحد، وألح فِي سُؤَالِهِ: وَاصَلَ، تَابَعَ طَرْحَهُ بِشِدَّةٍ إلَى أنْ يُشْفِيَ غَلِيلَهُ، أَصَرَّ، شَدَّدَ.
الدعاء: الطلب مع التذلل والخضوع. وهو طلب مصحوب بأدب فى بساط العبودية لجناب الربوبية.
الموجب: الأثر المترتب على التصرف. والموجب للشىء ما كان اصلا في وجوده.
اليأس: الْقُنُوطُ وقطع المطامع.
بعد ان طلب منك غاية الاجتهاد في العبادة نبهك إلى أدب على بساط العبودية. فبين لك أن أنفع الدعاء طلب العون على مرضاة الله عزوجل وهو قول العبد (إياك نعبد وإياك نستعين). فعبادة الله غاية مراد السالك وطلبه من الله أن يعينه عليها ويوفقه للقيام ﺑﻬا، وذلك الذي علمه النبي لمعاذ بن جبل رضي الله عنه فقال يا معاذ والله إني لأحبك فلا تنس أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. وبعد اجتهادك وبذل قصارى جهدك حذرك من الجنوح  إلى الاعتماد على الأسباب وإساءة الأدب مع رب تلك الأسباب حتى (لا يَكُنْ تأَخُّرُ أَمَدِ العَطاءِ مَعَ الإلْحاحِ في الدُّعاءِ مُوْجِباً لِيأْسِكَ)، فإنه سبحانه ( يسأله من في السموات والأرض ) فيمد هؤلاء من أحبابه وهؤلاء من أعدائه. ألم تر أنه أعطى أبغض خلقه عدوه إبليس مسألته (أنظرني إلى يوم يبعثون) لما كانت زيادة له في شقوته وبعده عن الله وطرده عنه ولعنه (وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين). وهذا حال كل من سأله أمرا لم يكن عونا على طاعته سبحانه. فنهاك أن تظن أيها السالك أن عطاءه كل ما أعطى لكرامة عبده عليه، ولا منعه كل ما يمنع لهوان عبده عليه، ولكن يمتحن ﺑﻬما عباده (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا) فليس كما توهم هذا الإنسان. فإذا علمت ذلك (فَهُوَ ضَمِنَ لَكَ الإِجابةَ فيما يَخْتارُهُ لَكَ لا فيما تَخْتارُهُ لِنَفْسِكَ )، وإذا أعطاك ما أعطاك وربما بلا سؤال تسأله (وَفي الوَقْتِ الَّذي يُريدُ لا فِي الوَقْتِ الَّذي تُريدُ ) ليجعله عونا لك على طاعته وبلاغا إلى مرضاته ولا يجعله قاطعا لك عنه ولا مبعدا عن مرضاته. فدعاء المؤمن لا يرد و قد يكون الأولى له تأخير الإجابة، أو يعوض بما هو أولى له عاجلاً أو آجلاً، فنبهك أن لا تترك الطلب من ربك، فإنك متعبد بالدعاء كما أنك متعبد بالتسليم والتفويض. و قد جاء في الحديث (ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يذخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر وأطيب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى