almizan.ma
الحكمة العاشرة
(الأَعْمالُ صُوَرٌ قَائِمةٌ، وَأَرْواحُها وُجودُ سِرِّ الإِخْلاصِ فِيها. )
تعريفات:
الأعمال: هنا عبارة عن حركة الجسم، ويراد بها أعمال الجوارح والقلوب من حركات واعتقادات وأعمال الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها.
صُوَرٌ: الشكل والهيئة
الروح: في تعريفات الجرجاني: الروح الإنساني هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان، الراكبة على الروح الحيواني، نازل من عالم الأمر، تعجز العقول عن إدراك كنهه، وتلك الروح قد تكون مجردة، وقد تكون منطبقة في البدن.
الإِخْلاص: أن يقصد بالفعل التقرب إلى الله عز وجل وامتثال أمره، من دون أن يشتمل على ما ينافي التقرب من الغايات غير الحسنة كالرياء والعجب ونحوها.
بعد أن علمت أن الأعمال تنوعت بتنوع الأحوال بقي عليك أيها السالك إلى الله أن تعلم أنها مجرد صور وأشباح وقوالب قَائمة لا حياة فيها ، وأن أرواحها هي الإخلاص مع التبري من الحول والقوة. فهل يصح في أذهان عوام الناس أن تُورِد على سيدك ومولاك هدايا، أي أعمالا، ميتة قد جُيِّفت؟ وكيف يليق ذلك بالمحب؟ بل كيف يليق ذلك بصاحب القلب السليم الذي هو شرط النجاة يوم مثولك بين يدي مولاك (إلا من أتى الله بقلب سليم ) فالبِدار البدار لمعرفة سبل السلام قبل فوات الأوان، قبل أن تُطرد من حضرته ، وتُبعد عن بساط جماله وجلاله بسبب زُكومة نُتونة أعمالك المُجَيَّفة.
فبُثَّ الروحَ في أعمالك بالإخلاص و رَبِّها وراعِها بالصواب، فلن يقبل منك من الأعمال إلا أخلصه وأصوبه. قال بعض السلف: ما من فعلة وإن صغرت إلا ينشر لها ديوانان: لم؟ وكيف؟ أي لم فعلت؟ وكيف فعلت؟
لم فعلت؟ سؤال عن الإخلاص. أي هل عملك كان لمولاك؟ أم فعلته لحظك وهواك؟ والجواب عنه يقتضي إفراد العبودية لله تعالى له وحده دون سواه: إرادة، ومحبة، وتوكلا، وإنابة، واخباتا، وخشية، ورجاء.
وأما كيف فعلت؟ سؤال عن متابعة الرسول. فهل صدقت في محبة مولاك باتباع مبعوثه البشري (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) أم أنك قدَّمْت بين يديه هواك ورعوناتك، وقد نهاك عن ذلك (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله).
ولما كانت المتابعة فرع عن الإخلاص، وهي حقيقة سلامة القلب الذي ضُمِنت له النجاة والسعادة، استغني عن ذكرها في الحكمة، فمن يَدلُّك على مُراد ربك منك إلا رسوله ومبعوثه إليك!
فحاصل الأمر ان الأعمال أشباح لا تليق بهدايا خزانة الملك إلا إذا ذَبَّ روح الإخلاص إليها أولا بالتحقق ب (إياك نعبد) بجزم النية والجد في الطلب دون توقف ولا تأخير، وتجريد القصد لمراد المحبوب وحده بتخليصه من كل نجاسة وشائبة نفسانية أو طبيعية بعدم المراءاة وطلب المحمدة من المخلوق والتصنع له، أو الحلف به، أو خوفه، أو رجائه. ويبقى بعد ذلك أدب ثان هو التحلي بسر الإخلاص وهو التجرد والتبري من مطالعة الأسباب والوقوف أو الالتفات إليها وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضل الله ومنته وكرمه، وعدم ملاحظة فاعلٍ غيره سبحانه، وذلك هو التحقق ب (إياك نستعين). فإياك نعبدُ تدفع الرياء عن الأعمال بالإخلاص، و(إياك نستعين) تدفع الكبرياء عن العامل بسر الإخلاص.