تقرير حقوقي يكشف معطيات صادمة عن “مظاهر التمييز” في مدونة الأسرة
الميزان/ الرباط: متابعة
almizan.ma
قدم “تحالف إصرار للتمكين والمساواة” تقريرا حقوقيا أماط اللثام عن جملة من الثغرات التي تُبقي التمييز ليس فقط ضد المرأة، بل ضد الرجل أيضا، في القوانين المغربية.
ورغم أن المغرب قطع أشواطا مهمة في مجال تعزيز المساواة وحظر التمييز بين الجنسين، فإن الإصلاحات المحققة “يواكبها استمرار اللامساواة مكرّسة في العديد من المقتضيات التشريعية”، بحسب أنس سعدون، عضو نادي قضاة المغرب، الذي قدم التقرير خلال ندوة نظمها “تحالف إصرار”، السبت.
ومن ضمن مظاهر التمييز التي رصدها التقرير تنصيص المادة الرابعة من مدونة الأسرة على أن الأسرة تحت الرعاية المشتركة للزوجين، “لكن هذا المبدأ غير منصوص عليه في باقي مقتضيات المدونة”، يردف سعدون، مضيفا أن هذا الأمر “لا تؤدي ثمنه النساء وحدهن، بل الرجال أيضا”.
وأورد المتحدث المقتضيات المتعلقة بمسار الطلاق والتطليق، حيث ميّز المشرّع بين الزوجين في المساطر المتاحة بإنهاء العلاقة الزوجية، إذ جعل بعض المساطر متاحة للزوجين معا، مثل التطليق للشقاق والطلاق الاتفاقي، وجعل مساطر أخرى حكرا على الزوجة فقط؛ “وكأن المشرّع يتصور أن هذه الأسباب لا يمكن أن يقدمها الرجال”، وضرب مثلا بالتطليق للغيبة، وهي المسطرة المتاحة للنساء فقط، “علما أن هناك حالات كثيرة لنساء غادرن بيت الزوجية وذهبن إلى مكان غير معروف، وأصبح الأزواج يقدمون طلبات التطليق للغيبة، ورغم ذلك يكون مآلها عدم القبول، لأن المشرّع لم ينظم هذا الحق”.
مظهر آخر من مظاهر التمييز الذي تنطوي عليه مقتضيات مدونة الأسرة يتجلى في الالتزامات المادية لطرفي العلاقة الزوجية، إذ تنفق المرأة على الأسرة، ولكن المشرّع لا يعترف بواجبها في الإنفاق، إلا في حالة عُسر الزوج ويُسر الزوجة، ووجود أبناء، بينما تكون المرأة في حِلٍّ من الإنفاق في حال عدم وجود أبناء، علما أن المادة الرابعة تتحدث عن كون الأسرة تقع تحت رعاية الزوجين.
وتعليقا على ذلك، قال سعدون: “في مدونة الأسرة مازالت هناك مظاهر اللامساواة والتمييز التي ندفع ثمنها جميعا، نساء ورجالا، والدفاع عن المساواة بين الجنسين سيحفظ مصالح الجميع”، مضيفا أن فتح ورش إصلاح مدونة الأسرة “هو مناسبة لملاءمة هذا القانون والالتزامات الدولية لبلادنا في هذا المجال، ولجعل مقتضيات المدونة قائمة على المساواة بين الجنسين في الحقوق والالتزامات”.
علاقة بذلك، أردف المتحدث ذاته بأن “مدونة الأسرة تكرّس أيضا التمييز ضد الأطفال وضد المرأة في ما يتعلق بمساطر النسب والبنوة، إذ يكفي الرجلَ أن يقرّ بكونه أبَ طفل نتج عن علاقة جنسية خارج إطار الزواج، دون حتى الإدلاء باسم أمه، ليُنسب إليه، في حين أن المرأة تعيش معاناة مريرة في سبيل الاعتراف بطفلها، إذا رفض الأب الإقرار بنسبه أو تسجيله في الحالة المدنية، ذلك أنها حتى إذا لجأت إلى طلب الخبرة الجينية يُطلب منها إثبات شرعية العلاقة، وهو ما لا يُطلب من الرجل، ومن ثم يُسمح بنسب الطفل اعتمادا على اعتراف الأب، ولا يسمح بنسبه إلى أمه استنادا إلى الخبرة الجينية”.
مُعطى آخر صادم تنطوي عليه مدونة الأسرة، يتمثل في مقتضيات المادة 148، التي تنص على أن البُنوّة غير الشرعية لا ترتّب أي أثر من آثار البنوّة الشرعية. وأوضح سعدون أن “هذا المقتضى يعني أن الأطفال الذين وُلدوا من علاقة خارج إطار الزواج لا تترتب لفائدتهم آثار البنوة الشرعية (النسب، والنفقة، وحرمة المصاهرة…) إزاء آبائهم”، معتبرا أن “هذا معناه إمكانية أن تتزوج البنت بأبيها، أو تتزوج الأخت بأخيها”.
وردا على الذين يقولون إن التمييز بين البنوّة الشرعية والبنوّة غير الشرعية يفضي إلى حفظ الأنساب، قال المتحدث: “بالعكس، هذا يؤدي إلى اختلاط الأنساب”، مشددا على ضرورة إقرار مبدأ المساواة بين كل الأطراف المترتبة عن العلاقات بين الجنسين.
ويشير تقرير “تحالف إصرار للتمكين والمساواة” إلى أن الدستور كرّس مبدأ حظر كل أشكال التمييز، وهو التوجه الذي كرّسته قوانين عادية وتنظيمية أخرى، غير أنه مع ذلك، يضيف، “يلاحظ غياب قانون واضح وشامل لمكافحة التمييز وضعف إعمال المقتضيات القانونية التي تجرّمه، إذ لا تشير تقارير رئاسة النيابة العامة إلى تسجيل أي قضايا تتعلق بالتمييز أمام المحاكم، كما يلاحظ استمرار مظاهر التمييز بين الجنسين في عدد من القوانين”.
وذهب التقرير إلى اعتبار “منْع مدوّنة الأسرة المرأةَ المغربية المسلمة من الزواج من شخص كتابي، مسيحيا أو يهوديا، في مقابل إجازة الزواج من كتابية للرجل المسلم، تمييزا قائما على أساس ديني، وعلى أساس الجنس أيضا”.
وأوصى “تحالف إصرار للتمكين والمساواة”، في تقريره، بمراجعة “المقتضيات التمييزية في مدونة الأسرة، من خلال حذف المادة 148، التي تَعتبر البنوّة غير الشرعية ملغاة بالنسبة للأب، واعتبار الخبرة الجينية سببا لحق النسب، واعتبار النيابة الشرعية حقا مشتركا بين الأبوين أثناء قيام العلاقة الزوجية وبعد انتهائها، وحذف اختلاف الدين كمانع من الزواج أو من الميراث، وتكريس مبدأ المساواة بين الجنسين في الميراث”.
واعتبرت مريم الزموري، رئيسة “تحالف إصرار للتمكين والمساواة”، أن “تجربة الترافع أمام الهيئات الأممية المعنية بحقوق الإنسان تكتسي أهمية كبيرة من أجل تدعيم المطالب التي ترفعها الحركة النسائية والحقوقية في المغرب، وحشد وتعبئة المناصرين في البعثات الدائمة في الأمم المتحدة”.