القانــونقضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

الأستاذ الباحث في النظام الأساسي الجديد لوزارة الترية الوطنية / من الإطار إلى الإدماج

الميزان/ الرباط: الدكتور الوارث الحسن

almizan.ma

الأستاذ الباحث في النظام الأساسي الجديد لوزارة الترية الوطنية / من الإطار إلى الإدماج
الميزان/ الرباط: الدكتور الوارث الحسن
عرفت المنظومة التعليمية بالمغرب ، العديد من محطات الإصلاح منذ بداية الاستقلال إلى اليوم ، باعتماد مقاربات بيداغوجية و تربوية تهدف في مجملها إلى تطوير الفعل التربوي و الارتقاء به ليصبح أكثر مردودية و جودة ، و من ضمن هذه الإصلاحات إعادة النظر في جملة من النصوص التنظيمية و القانوينة و المراسيم الخاصة بموظفي وزارة التربية الوطنية و جعلها تساير تطلعات أطر التربية و التكوين من جهة ،و تواكب تطورات العصر و تستجيب للتقدم الذي يشهده المجتمع المغربي في مختلف مناحي الحياة الثقافية و التربوية و الاجتماعية والاقتصادية.
و إدراكا منه لأهمية إصلاح و تطوير النموذج البيداغوجي والتربوي نص النظام الأساسي الجديد لسنة 2023، و ضمن المادة 29 من الباب الثاني، على إحداث هيئة الأساتذة الباحثين في التربية و التكوين لفائدة موظفي وزارة التربية الوطنية الحاصلين على شهادة الدكتوراه .
وإذا كان هذا النظام الأساسي يسعى بهذا الإحداث غير المسبوق لإطار أستاذ باحث إلى تطوير النموذج البيداغوجي و التربوي القائم في المدارس و المؤسسات المغربية بل وتعتبره الوزارة خطوة مهمة وحاسمة لتحقيق أهداف التغيير المنشود في المنظومة التعليمية حسب رأيها، فإن مراجعة المادة 33 منه التي جاءت منافية للاتفاق المرحلي بين الوزارة الوصية والنقابات الأربع ليوم 14 يناير 2023، أضحى أمرا لا مناص منه بقصد ملاءمة فقراتها مع متطلبات التطور و مقتضيات التوجيهات في السياسة التربوية الحديثة .
فماهي إذن، أهم الإشكالات التي تواجه إحداث إطار أستاذ باحث في وزارة التربية الوطنية؟ ثم ماهي أهم المقترحات التي بموجبها يتم تفعيل و أجرأة إطار أستاذ باحث في المنظومة التربوية للتعليم المدرسي ؟
إن إحداث إطار أستاذ باحث في قطاع وزارة التربية الوطنية للموظفين الحاصلين على شهادة الدكتوراه، هو في حد ذاته جاء لتتويج مسار طويل من النضال، خاضه الدكاترة عبر عقدين من الزمن سواء في التنسيقيات المستقلة أو في اللجان الوطنية للنقابات التعليمية و كذا استجابة لمقترح مشروع مسودة دمج دكاترة وزارة التربية الوطنية الذي قدمه أعضاء هذه التنسيقيات و اللجان النقابية إلى المجالس الوطنية للنقابات خلال عدة لقاءات و محطات نضالية سابقة.
وإذا كانت هذه الخطوة غير المسبوقة، تستحق التثمين وتعد ولاشك، من المكتسبات الأساسية في النظام الأساسي الجديد ، فإنه من المفيد في هذا النظام الاستجابة لمطلب إعادة تفعيل هذا الإطار وفتحه ، لإدماج كافة دكاترة وزارة التربية الوطنية ، بعيدا عن حسابات و مقاربات مجحفة و أحادية الجانب، والتي من شأنها أن تمكن القطاع من استثمار طاقات وقدرات هؤلاء الدكاترة، في التأطير والتكوين والتكوين المستمر والبحث في القضايا التي تهم القطاع للرفع من جودته، وتمكينهم من جهة ثانية، من مسار مهني وإداري مماثل لنظرائهم في التعليم العالي. إلا أن هذا القرار يكتنفه بحق، بعض الغموض على مستوى التنزيل و التنفيذ، ويحتاج إلى إجراءات وقرارات سياسية جريئة و مواكبة تنظيمية خاصة، تجعله يحقق الأهداف والمقاصد المرجوة منه .
يأتي هذا المطلب، لأن المبدأ الذي تم على أساسه اتفاق 18 يناير 2022 واتفاق 14 يناير 2023 لم يحترم في النظام الأساسي الجديد و بقي ملف الدكاترة ، من الملفات التي لم يتم التوافق حول أجرأتها بين النقابات و الوزارة الوصية ، حيث جاءت مقترحات الوزارة مخيبة للآمال و انتظارات هذه الفئة من الشغيلة التعليمية في تلبية مطالبهم العادلة و المشروعة ، و لاسيما بعد تنصيص الوزارة في المادة 33 من النظام الأساسي ، على المباراة لولوج إطار أستاذ باحث مما سيخلف ولاشك، ضحايا جدد و يكرس الحيف والتهميش .
لذلك فإن اشتراط المباراة لولوج إطار أستاذ باحث ، سيطرح العديد من الإشكالات في التنزيل و التنفيذ، التي من شأنها أن تلحق الضرر بفئة عريضة من الدكاترة و سترهن مصيرهم لمدة طويلة من الزمن، حيث سيجعل الملتحقين بهذا الإطار قلة محكومين بعدد المناصب المالية التي تحدثها الوزارة في كل سنة لفائدة المراكز الجهوية للتربية والتكوين، فضلا عن إشكالية الحاجة المحدودة لهذه المراكز الى العديد من التخصصات، خاصة في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية و الأدبية، إضافة إلى إشكالية النسبة و الحصيص السنوي في ترقية عدد الدكاترة المسموح لهم بالترشح للترقية إلى إطار أستاذ باحث.
هذه الإشكالات و أخرى هي التي ساهمت و لاشك، في فشل تجربة اتفاق 2010 وإيقاف مشروع إدماج دكاترة التربية الوطنية في المراكز الجهوية للتربية و التكوين على عهد الوفا والذي جاء بالحل الشامل لدكاترة القطاع عبر مباراة و على ثلاث دفعات، لكن تم في الأخير التملص من تفعيل الدفعة الثالثة لسنة 2012 نظرا لاستكمال الحاجيات ومحاولة الحد من بعض الخروقات التي فتحت المجال لمزيد من التلاعبات في النتائج .
وهي نفس الإشكالات التي أدت أيضا، إلى إيقاف المناصب التحويلية في قطاع التعليم العالي، وحرم العديد من هؤلاء الدكاترة من تغيير إطارهم وفضاء عملهم ، خاصة بعد فصل القطاعين عن بعضهما بعد أن كانا قطاعا واحدا في الحكومتين السابقين .
إن حل ملف الدكاترة الموظفين بوزارة التربية الوطنية، من خلال النظام الأساسي الجديد، يقتضي إرادة سياسية حقيقية مما يضمن الإنصاف وجبر الضرر، و النظر إلى الملف بمنظور شمولي مندمج بين مختلف الفرقاء السياسيين، يتأسس على مقترحات موضوعية تضمن تغيير الإطار لكافة دكاترة وزارة التربية الوطنية، و منها :
أولا : اعتبار إحداث هيئة الأساتذة الباحثين في النظام الأساسي الجديد يدخل في إطار إنصاف الدكاترة وجعله حلا مرحليا ،بمعنى حل لمرحلة انتقالية بمقتضيات انتقالية للنظام الأساسي أو بمرسوم وزاري استثنائي يدمج بموجبه جميع الموظفين الحاصلين على الدكتوراه بوزارة التربية الوطنية في إطار أستاذ باحث، على غرار الأطر الإدارية بالإسناد التي منحت إطار متصرف تربوي بمثل هذا المرسوم وبأثر رجعي مادي و إداري، علما أن عدد الدكاترة أقل بكثير من عدد الإداريين، ولا يكلف الوزارة اعتمادات مالية إضافية . .
ثانيا : إدماج تلقائيا الموظفين الحاصلين على شهادة الدكتوراه داخل وزارة التربية الوطنية في إطار أستاذ باحث و الذين لم يستفيدوا من تغيير الإطار إلى أستاذ التعليم العالي مساعد وفق الاتفاق الذي جرى بين وزارة التربية الوطنية والنقابات الأربع الأكثر تمثيلية على أساس الحل الشامل عبر ثلاث دفعات (2010 -2011 – 2012) وحصلوا على شهادة الدكتوراه قبل 01/09/2023 تاريخ دخول النظام الأساسي الجديد حيز التطبيق .
ثالثا – إلحاق الدكاترة الذين سيغيرون إطارهم إلى أستاذ باحث بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين و بمدارس الأستاذية المزمع إحداثها في إطار مؤسسة واحدة مندمجة، تابعة لوزارة التربية الوطنية و يعهد لهم ، مهام إدارية وتربوية في إطار التدريس والبحث العلمي والتربوي والإداري، والمساهمة في تكوين وتأطير الأطر الإدارية والتربوية وتقييم معارفهم ومؤهلاتهم العلمية والبيداعوجية والمشاركة في تنظيم الامتحانات والمباريات والمداولات والحراسة، فضلا عن الإشراف على تأطير أطروحات الدكتوراه في مجال التربية و التكوين ومشاريع نهاية الدراسة والأعمال الميدانية والمساهمة في تقييمها وتجويدها وذلك قصد تطوير العدة البيداغوجية ومناهج التدريس والبحث التربوي.
رابعا – ملاءمة مهام أستاذ باحث حسب المهام المسندة إلى بعض الموظفين الحاصلين على الدكتوراه ويشغلون مناصب في التأطير والتدبير الإداري و التربوي مع فتح شعب للدراسة و البحث و التكوين في المعاهد العليا ومراكز البحث وكذا بمختلف المؤسسات الجامعية الأخرى التي في حاجة إلى مهن التربية والتكوين سواء بمؤسسات التربية الوطنية أو القطاعات الحكومية الأخرى كالتعليم العالي والأسرة والطفولة والشؤون الاجتماعية والشباب والرياضة وغيرها أو المؤسسات العمومية أو القطاع الخاص التي تحتاج الى أطر تربوية، مما يمكن من استقطاب أكبر عدد من الدكاترة .
خامسا- وضع دكاترة التربية الوطنية رهن إشارة الجامعات والمؤسسات التعليمية و العمومية الأخرى في إطار اتفاقيات و عقد شراكة، و إلحاقهم للتدريس في مراكزها و ممارسة البحث العلمي والأكاديمي في مختبراتها العلمية، في أفق تنويع العرض التربوي وخلق فضاءات جديدة للتكوين وفتح آفاق أخرى للبحث العلمي والتربوي في مهن التربية و التكوين .
ومن ثم، فإن تنفيذ هذه الإجراءات العملية و الموضوعية و محاولة تنزيلها بشكل يليق بإطار أستاذ باحث في وزارة التربية الوطنية، سيحقق ولاشك الأهداف التي من شأنها أحدث هذا الإطار و يمكن بالتالي، من تجاوز كل الإشكالات العالقة التي يمكن أن تعيق تنفيذه على الوجه المطلوب، وتعطي في المقابل لهذا الإطار غايته ولإحداثه مفعولا ايجابيا سواء على المعنيين أوعلى المنظومة التعليمية بشكل عام .
الدكتور الحسن الوارث أستاذ باحث في التربية و التكوين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى