ما لا يُقال أبلغ مما يُقال
الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف
قد تَجِدُ في الصمت ما لا تجده في ألف كتاب، وقد تنطق العيون بما تعجز عنه الألسن، فثمة أشياء لا تُروى، لا لأنها لا تُعرف، بل لأنها أثقل من أن تُقال؛ فليس كل ما نراه يُمثّل الحقيقة، وليس كل ابتسامةٍ مرآةَ فرح، كما أن الدموع ليست دائمًا دليل انكسار؛ فالعاقل، لا يكتفي بما تُبديه الوجوه، بل يغوص فيما تخبئه القلوب… كالغوّاص لا يكتفي برؤية الموج بل يبحث عن اللؤلؤ في الأعماق، وفي زمنٍ صار فيه الكلام سلعة، والبوح استهلاكًا، قلّ من يُتقن فنّ *قراءة ما بين السطور*، ذلك الفن الذي لا يُدرّس في الجامعات، بل تُلقّنه الحياة لمن تذوّق وجع التجربة، وذاق مرارة الخذلان، ثم خرج منها بحكمة لا يُجادل فيها إلّا ساذج؛ فالعقلاء لا يُكثرون من الأسئلة، لأنهم تعلّموا أن الناس لا يقولون كل ما يعرفون، ولا يفعلون ما يقصدون، تعلّموا أن وراء كل نظرة حكاية، ووراء كل سكوت موقفًا، ووراء كل جرح حكمة… وأنّ الصمت أحيانًا أبلغ من الصراخ، وفي هذا العالم الذي تعلو فيه الأصوات دون معنى، ويُجاهر فيه الناس بمشاعر لا يملكونها، يبقى الإنسان الحقيقي من يَفهَم لا من يُجادل، من يصغي لقلب الآخرين، لا لسطورهم وحدها؛ فكن أنت ذلك الحكيم… الذي إذا رأى الظل عرف اتجاه النور، وإذا سمع الحرف تبيّن النغمة الخفية، وإذا نظر إلى الوجوه أدرك ما خفي من الحكايات؛ *لأن الحياة ليست كما تُقال… بل كما تُفهم،* وإن كان في القول براعة، ففي الفهم حكمة، وفي الصمت أحيانًا… نجاة.
