*الدنيا حلمٌ عابرٌ بين الأمس واليوم والغد*
الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف
كان الأمسُ صفحةً قد طُويت، لا تعودُ وإن حاولنا إعادة قراءتها ألف مرة، كأنَّها قصةٌ فُقدت نهايتها في زحام السنين، لا نستطيع سوى التحديق في حروفها التي أُحرقت على أوراق الذكرى؛ أما اليوم، فهو ذلك النهر الذي يجري تحت أقدامنا، نغترفُ منه جرعةً هنا، ونُسرفُ في إهدار لحظاته هناك، لكنه لا يلبث أن ينحسر تاركًا لنا أطلال ما كان، والغد؟ ذلك الوجهُ المستترُ خلف ضباب المجهول، لا نعلمُ أيُّ يدٍ ستُزيح الستار عنه، أو أيُّ قدرٍ سيكتب لنا تفاصيله، …تأمل حياتك، تجدها لا تخرج عن ثلاثة أيام؛ *أمسٌ قد طُوي كصفحةٍ أصابها البلل، فلا يُقرأ منها شيء،* و*يومٌ أنت فيه كمن يمشي على خيطِ وقتٍ لا يعلم متى ينقطع،* و*غدٌ لا تدري أفيه سترى النور أم تغيب في التراب*، أمسك لا يُستعاد، وإن بكى عليه القلب ألف مرة، ويومك الحاضر، مهما طال، فهو أهون من أن يُخلَّد، أما الغد، فهو وعدٌ لا يُملَك، *كالسراب يُبهر العين ولا يُروى الظمأ*، فما نحن في هذه الدنيا، إن لم نكن ضيوفًا ننتظر النداء الأخير؟ *نصافح من نحب، ثم نرحل،* *نخاصم من نكره، ثم نندم،* *نكدّس المال، وننسى أن الكفن بلا جيوب،* …نحنُ نمضي، لا نملكُ سوى المسامحة والمصافحة، لا نملكُ سوى أن نُحسن الظنَّ بعثرات الطريق، فكم من قلوبٍ خاضت معاركها مع الندم، وكم من أرواحٍ انتظرت لحظةً لم تأتِ، ثم اكتشفت أنها كانت تائهةً في سراب ما لن يكون؛ فالدنيا ثلاثة أيامٍ، نركضُ خلفها كأنها الأمل الوحيد، فلا الأمسُ يعودُ ليُصلح خطايانا، ولا اليومُ يبقى ليُكمل سعادتنا، ولا الغدُ يُعلن عن خفاياه قبل موعده، فماذا نملك إذن؟ نملك أن نكون لطفاء، أن نحمل الحبَّ في قلوبٍ أنهكها التيهُ، أن نُعانق الحياة بصفاء النوايا، أن نتركَ الخلق للخالق، فربَّ كلمةٍ تُقالُ في غفلةٍ تُحفرُ في وجدان أحدهم للأبد، وربَّ ابتسامةٍ عابرةٍ تُنقذُ قلبًا كان على شفا الانكسار،.. نحنُ راحلون.. لا أحد يُقيم في هذه الأرض أكثر مما كُتب له، ولا أحد يحمل معه أكثر مما تركته يده من أثر، فليبقَ الأثرُ جميلًا، قال الله تعالى: “إِنَّا نَحۡنُ نُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُواْ *وَءَاثَٰرَهُمۡۚ* وَكُلَّ شَيۡءٍ أَحۡصَيۡنَٰهُ فِيٓ إِمَامٖ مُّبِينٖ” (سورة يس)، أتدري ما الأثر الذي تستمر كتابته لك أو عليك إلى قيام الساعة؟ ابحث عن الإجابة بنفسك، وليكن العبورُ هادئًا، ولتكن لحظاتُ الدنيا كنفحاتِ عطرٍ تُنسى سريعًا، لكنَّها تُبقي عبيرها في ذاكرةِ الحياة، ولا تكن حجرًا في قلبك؛ صافح، وسامح، وادعُ للناس كما تحب أن يُدعى لك، دع الخلق للخالق، فكلُّنا سائرون نحو المصير ذاته، لكن ما أثمن أن نسير بخفّة قلب، ونقاء سريرة؛ فاحذر أن تُضيّع يومك في لهو الحقد وخصومة العابرين، *يابن التراب، نحن… راحلون،* فليكن ظلّك في هذه الدنيا خفيفًا، وصوتك في قلوب الآخرين نديًّا، حتى إذا ارتحلت، دعوا لك: *مرّ من هنا إنسانٌ، فسلامٌ عليه.*