قضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

الآلة والقلم، حين يسير العقل جنبًا إلى جنب مع الذكاء

الميزان/ الرباط: بقلم أ. عبده معروف

almizan.ma

الآلة والقلم، حين يسير العقل جنبًا إلى جنب مع الذكاء
الميزان/ الرباط: بقلم أ. عبده معروف
لم يعد الذكاء الاصطناعي وليدَ مختبراتٍ صامتة، ولا سرًّا يُتداول في أروقة العلماء وحدهم، بل صار ضيفًا حاضرًا على موائد الفكر، يسير بيننا كنسمةٍ لا تُرى، لكنها تُحرّك الستائر، وتهمس في أوراقنا، وتدغدغ حروفنا؛ إنه كائنٌ من سُطورٍ لا روح فيها، وأوامر لا مشاعر لها، ومع ذلك، ينصت حين نهمس، ويقترح حين نحتار، ويُكمل حيث تتعثر اللغة أو تتهيب العبارة… لكن يبقى السؤال الخالد: هل أحسنّا استخدامه كما ينبغي؟ أم جعلناه وصيًّا على عقولنا، يُملي ونحن ننصاع؟.. ليس الذكاء الاصطناعي عدوًّا متربصًا، ولا ساحرًا يملك مفاتيح الإبداع من تلقاء نفسه، بل هو كالسيف في يد فارسٍ نبيل، أو كالريشة في كفّ رسّامٍ ملهم، إن أُحسن الإمساك به، أصبح آلةَ إتقان، وإن أُسيء توجيهه، نثر الضرر بلا وعي؛ فلا تنظروا إليه كبديل عن عقولكم، بل كامتداد لقدرتكم، وكرفيقٍ يُعينكم على صعود الجبل، لا متسلقٍ يتقدّمكم؛ فهو مرآة تعكس الرؤية، لا تُبدّلها، وساعدٌ يُساند لا يُسيطر، وفي صنعة المقال، كما في صنعة النحت، لا يصح أن تترك المطرقة وحدها تصوغ التمثال؛ فالفكرة روح، والروح لا تُسكب إلا من قلبٍ نابضٍ بالصدق، وعقلٍ يزن الكلمة كما يُوزن الذهب في ميزان الحرف؛ فلتكن الأدوات الذكية خدَمًا لفكرك، لا أسيادًا عليه، ولتكن أنت من يضبط الإيقاع، لا من يعزف النشيد دون لحن أو شعور، فهي تُنظم لا تُبدع، وتُضيء لا تُلهم، وتفتح بابًا، لكنها لا تعرف كيف تمشي الطريق؛ فالذكاء الاصطناعي، مهما بلغ من الحذق، لا يعرف دمعة الأم التي خذلها ابنُها، ولا يتذوّق وجع الحنين في قلب المهاجر، ولا يخفق قلبه لرؤية طفلٍ يلهو تحت المطر؛ فهو آلة… ونحن بشر، هو ينسخ، ونحن نبدع، هو يحلّل، ونحن نلهم، هو بلا ضمير، ونحن نحمل وحي السماء، وميراث الأنبياء، فاحذروا أن تولد الكلمة من رحم البرمجة وهي جافة، فالكلمة الحقّة لا تنبت إلا في تربة النية، ولا تُروى إلا بماء الصدق، وفي زمنٍ يتسابق فيه الناس نحو السهل المعلّب، ويفتشون عن الجاهز السريع، كن أنت من يصنع من الذكاء الاصطناعي سلّمًا إلى العمق، لا مزلقًا إلى التفاهة، واجعل منه جسرًا إلى الإبداع، لا سورًا على الحريّة، وميزانًا للتمييز لا قيدًا على الفكر، ولا تنسَ… أن الإنسان، حين يُحسن أدواته، يرتقي فوق جدار الزمن، ويحلق بجناحي الإبداع والحكمة، لأنه لا يكتب بعقله فقط… بل يكتب من قلبٍ تُضاء جوانبه بخشية، وتنبض حروفه بإلهام من السماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى