وَإِذۡ نَتَقۡنَا ٱلۡجَبَلَ فَوۡقَهُمۡ كَأَنَّهُۥ ظُلَّة
الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف
قال الله تعالى: ” ۞وَإِذۡ نَتَقۡنَا ٱلۡجَبَلَ فَوۡقَهُمۡ كَأَنَّهُۥ ظُلَّةٞ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُۥ وَاقِعُۢ بِهِمۡ خُذُواْ مَآ ءَاتَيۡنَٰكُم بِقُوَّةٖ وَٱذۡكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ(171)” (سورة الأعرَاف)
في لحظةٍ فريدةٍ من لحظات التاريخ، لحظةٍ تشبعت بالدهشة والخشية، وقف بنو إسرائيل أمام الجبل الذي انتُزع من قرار الأرض ورفرف فوق رؤوسهم كأنّه ظلٌّ قاتمٌ من رهبة السماء، لم يكن الجبل يومها صخرةً صمّاء، بل كان خطبةً صامتةً تخترق جلودهم وأفئدتهم، ينطق بلسان الخوف: “خذوا ما آتيناكم بقوة” تلك ليست كلمات، بل صاعقة تُنذر وتُحرّك وتُوقظ، في هذه الآية، يستحيل النص إلى مشهدٍ رهيب، يصوّر كيف أن الإنسان لا يوقظ قلبه أحياناً إلا عندما يرى الجبل فوق رأسه، لا عندما يسمع موعظة ولا حين ينعم بنعمة، كأن القلوب إذا استراحت نسيت، وإذا أُمهلت غفلت، حتى إذا فوجئت بالرعد فوقها، صرخت بالفطرة التي كُتمت، …إن هذه اللحظة ليست للتاريخ فقط، بل لنا نحن أبناء اللحظة المتسارعة هذه؛ حيث تحوّل الإنسان إلى آلةٍ يركض خلف التفاصيل ويغفل عن المعاني، كم من الجبال خُفّضت لنا، وكم من الظلال سكنت فوق رؤوسنا، ونحن لا نلتفت! ألا تُرى في هذه الآية مرآةً لحاضرٍ يشبه الغياب؟ حين تعيش القلوب بلا يقظة، والنفوس بلا وازع، فتكون الكارثة تذكيراً، والهزّة إنذاراً، والبلاء نداءً: “خذوا ما آتيناكم بقوة” القوة هنا ليست السوط، بل العزم؛ ليست الظلم، بل الالتزام، هو نداء أن تحمل ما أُعطيت من الحق بصدق الجبهة، لا بارتخاء العادة، أن تتعامل مع الوحي لا كتراثٍ نُزيّنه على الرفوف، بل كحياةٍ تُنبت في القلب شجرةَ وعيٍ، تورق كلما اشتدّ عليها المطر، كم نخاف اليوم من الأشياء الصغيرة، ونتناسى الجبل الأكبر الذي يظلّل رقابنا كل حين: أعني المسؤولية.. أن نُذكّر أنفسنا بما في الكتاب، لا ليُتلى في محافل العزاء، بل ليحيا بين صخب الحياة، إنها آية لا توهب للقارئ الكسول، بل للذي يقرأ لا بعينه فقط، بل بقلبه، للذي يعرف أن القرآن لا يُتلى فقط، بل يُحسّ، ويُخشى، ويُطاع، هو رسالة أزلية تقول لنا: لستَ في أمنٍ من الغفلة، فإن لم توقظك الحكمة، أيقظك الجبل!