السياسة تستوجب الوقار و التوقير لجلالة الملك
الميزان/ الرباط: د. محمد الدرويش

almizan.ma
السياسة تستوجب الوقار و التوقير لجلالة الملك
الميزان/ الرباط: د. محمد درويش*
لا بد من التأكيد في هذا المقام بان نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021 ، وما تلاها جعلنا أمام خريطة سياسية بتكتلات حزبية غير طبيعية، و غير متجانسة لا في مرجعياتها، ولا في تاريخها، ولا في برامجها السياسية، وهذا أمر يصدق على الأحزاب في الأغلبية، والاحزاب التي تقع في المعارضة؛ وأما بخصوص الثانية فإننا أمام أحزاب وجدت نفسها بسبب النتائج مجتمعةً في موقع المعارضة، ولا بد من الاشارة هنا بأننا أمام معارضات وليس معارضة واحدة إذ نميز بين هاته الأحزاب الأربعة بين الاختيار الاشتراكي الديمقراطي، وبين التوجه اليميني الليبرالي، واليميني المحافظ، وبين توجهات لا طعم ولا ذوق لها.
وبالعودة إلى سنة2021 لا بد من التذكير بعدد الناخبين في انتخابات 8 شتنبر والذي قارب 17 مليون و 510 الف ، وبلغ إجمالي الأصوات ما يقارب 8 مليون و 770 الف، وأما الأصوات المقبولة فبلغت تقريبا 7 مليون و 590 الف بنسبة مشاركة 50.35 % وزعت على كل الأحزاب السياسية 12 حسب النتائج التالية : حزب الأحرار 102 نائب، والاصالة 86 نائب، والاستقلال 81 نائب، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 35 نائب، والحركة الشعبية 29 نائب، والتقدم والاشتراكية 21 نائب، والاتحاد الدستوري 18 نائب، والعدالة والتنمية 13 نائب، والحركة الدموقراطية الاجتماعية 5 نائبا، وجبهة القوى الدموقراطية بثلاثة نواب، والحزب الاشتراكي الموحد بنائب واحد، وفدريالية اليسار الدموقراطي بنائب واحد .
ولا بد من الاشارة هنا كذلك إلى أن مجموعةً من الاحزاب السياسية قامت بمجهودات ايجابية في عمليات استقطاب واقناع مجموعة من المواطنات والمواطنين بالتسجيل والمشاركة في عمليات التصويت ، ونعتقد أن عدد النواب غير مترجم دائما للفعالية والمردودية البرلمانية، والمساهمات في النقاش العمومي، والسؤال عن نقط قوة وضعف السياسات العمومية والعامة .
نعود للأحزاب التي تقع في المعارضة لنؤكد على انها معارضات باتجاهات فأما الاتجاه الاول فيمثله حزبا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتقدم و الاشتراكية، وهما الحزبان اللذان يجمعهما التاريخ، وأجزاء كبرى من المرجعيات الايدولوجيا، والنضالات المشتركة، والتطابق شبه المطلق بين اسس البرامج الانتخابية، والعلاقات الإنسانية بين مناضلات ومناضلي الحزبين عبر التاريخ المشترك، وكذا المواقف والقرارات والتنسيق المحكم بينهم في قلب الاطارات النقابية والتربوية والحقوقية والنسائية وغيرها ؛ وينضاف إلى هذين الحزبين حزب جبهة القوى الديمقراطية، والحزب الاشتراكي الموحد، وفدرالية اليسار الديموقراطي .
وأما الاتجاه الثاني فيمثله حزب الحركة الشعبية وهو الإطار السياسي الذي يكاد ينفرد بمرجعيته الامازيغية ودفاعه عنها وعن المناطق القروية وهو حزب يميني …
وأما الاتجاه الثالث فيمثله حزب العدالة والتنمية الذي يبني أطروحته السياسية على المرجعية الاسلامية وهو حزب محافظ ليبرالي يميني …
وأما ما يجمع الأحزاب التي تقع في المعارضة فيمكن اختصاره في ما يلي :
1/ التصويت ضد مشروع أغلبي او حكومي .
2/ الاحتجاجات ضد غيابات الوزراء المتكررة او رئيس الحكومة .
3/ تلاقي أو تشابه أو تطابق نقط النظام خلال الجلسات البرلمانية .
4/ بعض المبادرات التشريعية اتفاقا و اختلافا .
5/ التنسيق الذي تم خلال فترات من هاته الولاية البرلمانية والذي جمع رؤساء الفرق وكذا بعض اللقاءات والندوات التي تمت داخل قبة البرلمان والاجتماعات التي تمت بين قيادات مجموعة من الاحزاب .
وغيرها من انواع التنسيق الثنائي أو الثلاثي أو الرباعي بين القيادات الحزبية و رؤساء فرقها .
وكانت مبادرة ملتمس الرقابة بمثابة الضربة القاضية في علاقات رؤساء الاحزاب الأربعة وفرقها النيابية، فظهر أن لكل حزب موقفه وروايته، وتفرقت بذلك سبل اللقاء والتفاهم، فصرنا أمام مشهد سياسي قد يسيء للأحزاب نفسها وللوطن أكثر مما يفيد الفعل السياسي الوطني، ونعتقد أن هذا التشنج والخلاف قد يكون له انعكاس سلبي على الأحزاب الأربعة عموما وعلى العملية الانتخابية خصوصا وعلى قيادات هاته الأحزاب بوجه أخص بل على الفعل السياسي أغلبية و معارضة .
ومن هاته الزاوية نسجل أن ما حصل اليوم من خلاف قد تحول إلى صراع لفظي بين قيادات الأحزاب الأربعة في تجمعاتها التعبوية والتنظيمية مع المنتخبين والشباب والنساء والاجهزة المحلية والإقليمية والجهوية والوطنية والقطاعية، وقد تتحول إلى صراعات محلية وإقليمية وجهوية بين مناضلاتها ومناضليها الأفراد والجماعات لأننا لسنا على درجة واحدة من الوعي بعمق أو سطحية هاته الخلافات وأصلها وأهدافها، ولسنا على دراية واحدة وتامة بالعلاقات الشخصية التي جمعت وتجمع قادة هاته الأحزاب .
وباختصار لحديثنا عن واقع العلاقات بين الأحزاب المتواجدة في المعارضة نلخصه في ما يلي :
-انعدام الثقة بين قيادات هاته الاحزاب .
-الاختلاف العميق بينهم في احقية قيادة المبادرات، وأحيانا الزعامات، وأخرى التصورات وتقييم العلاقات بينها وبين أحزاب من الأغلبية أو مع أحزاب من المعارضة نفسها.
-الافعال وردود الأفعال من علاقات الماضي القريب والحاضر بين بعض مكونات أحزاب من المعارضة.
-عدم توازن الاصطفافات حسب نتائج تصويت 8 شتنبر 2025 في مجلس النواب والجماعات الترابية عدديا بين احزاب من الاغلبية وبين أحزاب من المعارضة .
-نقل معطيات وأحداث وأقاويل بتاويلات خاطئة أو مغلوطة في اغلب الأحيان من قبل بعض أعضاء مكاتب سياسية إلى قياداتها بحثا عن زعامات وهمية وبهدف تعميق الهوة بين قيادات هاته الأحزاب .
كل هذا وقضايا أخرى – نعتقد – تتحكم في أوضاع بعض الأحزاب وتجعلها تفتقد أحيانا لاستقلالية قراراتها مما يجعل الرأي العام أمام معارضات تتموقع بصراعاتها ومستوى بعض خطابات بعض قياداتها خارج هموم وآمال وآلام الأغلبية المطلقة من الشعب المغربي مع استثناءات بعض المبادرات طبعا . وما يقال عن أحزاب في المعارضة يقال عن أحزاب الأغلبية في علاقات بعضها البعض وفي علاقاتها ببعض أحزاب تقع في المعارضة، وهو ما ظهر جلياً في خرجات قياداتها وبعض أعضاء مكاتبها السياسية في أوقات متقطعة لكنها حادة حتى يخيل للمتابع انه امام خطاب حزب من المعارضة ، ونعت هاته الحدة ستزيد خلال الشهور المقبلة الى درجة أنه لن نتمكن من التمييز بين خطاب حزب من الأغلبية أو المعارضة .
هذا لا يعني أنه ليست هناك دينامية وحركية لدى هاته الأحزاب بل بالعكس، نسجل دينامية متجددة لدى مجموعة منها بتفاوت اثارها ونوعها والمعني بها وشروط وظروف تنظيمها وصدقية القائمين عليها، فالأحزاب يتراوح تحركها بين اللقاءات التنظيمية وتجديد الهياكل والاستعداد لعقد مؤتمر والتجمعات التعبوية واللقاءات القطاعية وغيرها .
وتظل هاته الدينامية الداخلية دون وقع على الاغلبية المطلقة للمواطنات و المواطنين اذ ما يقارب 95 / غير المنتمين وغير المنخرطين في هاته الأحزاب ولا النقابات لا اثر عليهم ولا اتصال بهم ، بل ان ما يقارب 20 مليون نسمة لا يفكرون في امر المشاركة في الانتخابات المقبلة ، لهذا ، و تنفيذاً لمقتضيات دستور المملكة على كل الاحزاب السياسية ( 38 ) تحمل مسؤولياتها كاملةً من اجل القيام بحملات استقطاب واقناع لهؤلاء ، صحيح هناك مجهود تقوم به القلة القليلة من الاحزاب لكنها غير كافية و لا تستجيب لانتظارات الشباب المغربي الذي تؤطره اليوم وسائل اخرى لا يضبطها اغلب قيادات مجموعة من الاحزاب .
و يظل سؤال البرامج الانتخابية و طرق الاستقطاب و الاقناع مطروحاً على كل الاحزاب ، كما يظل تطبيق المقتضيات الدستورية و القانونية يسائلها كلها ، و في المقابل يظل سؤال الحياد بالمطلق في الانتخابات المقبلة من قبل السلطات المختصة مع ضرورة مباشرة ملف مراجعة بعض مواد القوانين الانتخابية بداية السنة البرلمانية المقبلة بفتح نقاش عميق مع كل الاحزاب لان هناك اموراً تدعو للمراجعة و تعميق الحوار بشانها من مثل :
* محاربة الغش و الفساد الانتخابي بكل انواعه .
* المنع الكلي لتدخل رجالات و نساء السلطة لصالح هذا الحزب او ذاك .
* رقمنة التزكيات و كل الوثائق المصاحبة .
* الجواب عن سؤال لوائح الشباب و النساء و ضرورتهما ام ان الامر يقتضي فرض قانونا على كل الاحزاب تضمين لوائحها الوطنية شباباً و نساء .
* الجواب عن تهميش مجموعة من نخب المجتمع حتى لا تبلغ مواقع المسؤولية التمثيلية .
* الفصل في مسألة الترشيح باللوائح ام الترشيح الفردي .
* ضرورة توفر الدود الدنيا من برامج الاحزاب من خلال برامج تمس كل المواطنات و المواطنين بكل فئاتهم و اعمارهم انواعهم .
* اشتراط اعداد من المنخرطين رجالاً و نساءً و شباباً كحد ادنى على كل حزب قبل الترخيص له بخوض الانتخابات .
* تجديد طرق التواصل مع المواطنات و المواطنين بطرق حديثة.
* تضمين اجوبة كافية شافية عن مجموعة من القضايا التي تؤرق مكونات المجتمع من مثل البطالة ، و الحريات الصحافية ، و النقابية ، و السياسية ، والاكاديمية ، و التشغيل ، والتعليم ، و التكوين ، و العدالة الاجتماعية ، و العدالة المجالية ، و تكافؤ الفرص ، و السكن اللائق ، و الاستثمار و غيرها ، مع ضرورة الانفتاح على المجتمع المدني و الحقوقي ذي المرجعيات المتقاربة و التاكيد على امر تجديد النخب و الحد من الولاءات العمياء التي تضر اصحابها و تضر البنية الحزبية التي يتواجدون بها فالإخلاص يكون بالعمل و بالنتائج و ليس بالسخرة .
و لا بد كذلك من تجديد القول ان السياسة اخلاق ، و الاخلاق تترجمها الممارسات و المواقف و الافعال و المبادرات ، فنحن في وطن يضمن الانتماء الحر و التنافس الشريف المرغوب فيه ، دون مس للأعراض و دون استعمال لمعاجم قد تسيء للجميع ، و المواطنة الحقة قائمة على ثنائية الحقوق و الواجبات في مغرب يضمن دستوره الحرية و الكرامة و العدالة و التعددية و المساواة و تكافؤ الفرص … علما ان السياسة ليس فيها صديق دائم او نزاعات و خلافات دائمة ،
عود على بدء اوجه نداءً باسم الفعل السياسي النبيل و باسم الوطن الى قيادات كل الاحزاب الى الترفع عن كل ما من شانه ان ينفر من الفعل السياسي و ينزل خطابه الى الحضيض ، كما ارجو منهم ان يبعدوا شخص جلالة الملك محمد السادس و المشاريع الملكية من صراعاتهم و تجاذباتهم و خلالفاتهم و تنافسهم ، و ينضبطوا لكل مقتضيات الوقار و التوقير المحفوظة شعبيا و دستوريا لجلالته و لأفراد العائلة الملكية ، فلا معنى ان نسمع كل مرة هنا او هناك اقحام الملك في السجال و التدافع السياسي دفاعاً عن هذا المشروع او هجوماً على منافس او افشاء ما دار بين جلالته و احد مسؤولي الدولة المغربية ، فجلالته ملك كل المواطنات و المواطنين .
الرباط في 6 يوليوز 2025
*محمد الدرويش
الفاعل الاكاديمي و السياسي