الثمرات السلوكية والعملية للحج: بين التحلي والتجلي
الميزان/ الدار البيضاء: د. عبد الرحيم أشن

almizan.ma
الثمرات السلوكية والعملية للحج: بين التحلي والتجلي
الميزان/ الدار البيضاء: د. عبد الرحيم أشن
الحج ركن عظيم من أركان الإسلام، ليس مجرد رحلة شعائرية أو طقس تعبدي، بل هو محطة تغيير كبرى وفرصة للتجدد الروحي والتحول السلوكي.
إلا أن الفجوة بين من يؤدي الحج ومن يتحول به ظاهرة تستحق التوقف.
هذا الموضوع؛ يهدف إلى فهم الثمرات السلوكية والعملية للحج، وكيف يمكن الانتقال من “التحلي المؤقت” إلى “التجلي المستدام”.
أولا: المفاهيم الأساسية؛
1. مفهوم التحلي:
التحلي هو التخلق الظاهري بالقيم والسلوكيات خلال فترة الحج، كالصبر، وضبط النفس، وخفض الصوت، والتسامح.
وهو خطوة أولى ضرورية في مسار التغيير، لكنه يظل قشرة إن لم يتعمق.
2. مفهوم التجلي:
التجلي هو انعكاس أثر الحج في سلوك الإنسان بعد العودة.
ويعني أن تتحول القيم التي عايشها الحاج إلى ممارسات راسخة تظهر في تعامله، قراراته، توبته، وعلاقته بالناس وربه.
3. مفهوم الثمرة السلوكية:
هي النتيجة العملية لتلك التجربة الإيمانية العميقة، فتثمر تواضعًا دائمًا، صفاء قلب، تعظيمًا لله، التزامًا بالحق، وانضباطًا ذاتيًا.
ثانيا: المنهج التربوي للحج؛
1. الحج؛ ميدان تربوي:
الحج هو دورة تربوية تطبيقية تدمج بين العبادة الجسدية، والروحية، والاجتماعية. كل شعيرة فيه تُدرّب النفس على خلق محدد: الإحرام على التجرد، الطواف على الارتباط بالله، السعي على المثابرة، عرفة على الخشوع والتوبة.
2. التربية النبوية في الحج:
النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك شعيرة إلا وعلّم الصحابة معناها، وربطهم بحقيقتها، فجعل الحج حوارًا حيًا بين الإيمان والسلوك، لا طقسًا جامدًا.
3. مراحل التحول التربوي:
التهيئة: بالنية، والتوبة، والنية للتغيير.
المعايشة: بالمجاهدة والانضباط.
الترسيخ: بالاستمرار على العهد بعد الحج.
ثالثا: الوسائل والأساليب التربوية؛
1. وسائل تحصيل التحلي:
– التأمل في الشعائر وعدم أدائها بعجلة.
– مراقبة النفس وضبط الانفعالات.
صحبة صالحة تعين على السكينة.
2. وسائل تحصيل التجلي:
* تدوين اليوميات الروحية.
* جلسة خلوة بعد كل شعيرة للتقييم.
* الربط بين الشعيرة والسلوك المستهدف (مثلاً: رمي الجمرات = التخلص من وساوس النفس).
رابعا: الثمرات السلوكية والعملية للحج؛
1. على مستوى الفرد:
+ تقوية العزيمة وترك المعاصي.
+ تنقية القلب من الحقد والحسد.
+ ترسيخ الطاعة وتحمل التكاليف.
2. على مستوى العلاقات:
+ التسامح والصفح.
+ الرحمة وخفض الجناح.
+ احترام اختلاف الثقافات والمذاهب.
3. على مستوى المجتمع:
+ إشاعة قيم النظام، والنظافة، والانضباط.
+ الإحساس بالوحدة الإسلامية.
+ تكوين نموذج للمسلم السوي الخادم لا المتعالي.
خامسا: التحديات والمعيقات؛
_ غلبة الشكل على الجوهر.
_ ضعف التهيئة المسبقة والتثقيف الوجداني.
_ الانقطاع بعد الحج عن جو التغيير.
_ عدم وجود خطة متابعة بعد العودة.
سادسا: نماذج واقعية وأمثلة؛
1. نموذج من السلف:
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعود من الحج أكثر رقّة ورحمة، ويقول: “كأنني ولدت من جديد”.
2. نموذج معاصر:
شخص عرف بحدة الطبع، عاد بعد الحج رقيقًا، يعتذر، ويصلي الفجر، ويمسك لسانه، ويدير أسرته بروح جديدة.
3. من السيرة:
حجة الوداع كانت إعلانًا عامًا لقيم الرحمة والعدالة والمساواة، وهي ليست فقط خطابًا بل خطة تغيير عالمي.
سابعا: المآلات المنتظرة من الحج المثمر؛
× تغيير داخلي عميق في إدراك معنى الحياة.
× رسوخ التقوى لا كموعظة بل كهوية.
× الاستعداد الجاد للقاء الله.
× صناعة فرد مسلم راشد نافع.
خاتمة:
الحج تجربة عظمى يجب أن تُقرأ بروح واعية، وأن يُستثمر في بعدها التربوي لا الطقوسي فقط.
فحج لا يغيّر صاحبه، هو فرصة ضائعة.
أما الحج الذي ينتقل بالمرء من التحلي إلى التجلي، فهو الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة.