كتاب الراىمنوعات

“بيلماون ” و “بيدماون ” ، ثرات شعبي إنساني

الميزان / أكادير : ذ الحسين بكار السباعي

almizan.ma

شكلت ثقافة بوجلود بيلماون بسوس ، وبمختلف مداشر وحواضر المغرب ، مرورا بالريف و الأطلس و الحوز ، ووصولا لغيرها من المداشر والقرى الممتدة عبر سهول وجبال المملكة ، لتضل معها ثقافة بوجلود نافدة على تاريخ ، لا زال يجسد ذلك الموروث الشعبي كجزءا من ثقافتنا المتوارثة عبر الأجيال .
ولا غرابة أن تختلف اسامي هذا الفلكرور الشعبي الضارب في التاريخ رغم ما يجسده من حمولة ثقافية ، أن تختلف وتتنوع حسب المناطق و ألسنتها ، فيطلق عليه في سوس والجنوب المغربي ببيلماون وبوجلود وفي أخرى ببولهيادر او هرمما ، غير انها تظل تسميات مختلفة لتراث شعبي فلكلوري يربطنا بماض جميل ، ماض يلخص جزءا من معتقدات وعادات مترسخة في ادهاننا ، تضاف لاحتفالات عيد الاضحى خصوصية متميزة وتجعل منه ميزة لثقافتنا الشعبية الوطنية ورافدا من روافدها .
موروث إنساني مشترك ، فإلى جانب الطابع الديني لعيد الاضحى ، نحد طابعا آخر ثقافي شعبي ، هدفه الفرجة والفرحة واسترجاع ذاكرة الأجداد ، التي لم تخلو من بصمات وتجديد الأبناء .
لا غرابة أن تظهر إلى جانب بوجلود بيلماون ، احتفلات فلكلورية أطلق عليها إسم “كارنفال” أو ما تطلق عليه الساكنة السوسية و غالبية المناطق المغربية الأمازيغية ،” ببيدماون ” أو صاحب الوجوه المتعددة ، تجسيدا لما يضعه أصحابه من أقنعة مختلفة تتناسب وتتناسق مع نوع الألبسة التي يرتدونها وكأننا على خشبة مسرح تختلف فيها الادوار والسيناريوهات إلى جانب ماتحمله من رسائل مختلفة ومتنوعه .
فمن جديد و قديم ، و بين ماض وحاضر ، لازالت ذاكرتنا جميعا تختزل لحظات جميلة من مسرحيات ” الكرنفال” ، المتعددة السيناريوهات والأدوار والشخصيات والديكورات والملابس والألوان خشبتها الفضاء العام وهدفها الأسمى خلق الفرجة .
إن ثقافة بوجلود بيلماون كموروث ثقافي وشعبي لا مادي ، وكقاسم مشترك بيننا جميعا يوحدنا ويؤلف بيننا في لحظات محدودة ومناسبة محددة ، عيد الأضحى المبارك .
موروث شعبي يحتوي قيم العفوية وقيم الحب والتسامح والتفاهم وحتى أخلاقيات الإحترام و القبول بالآخر، في مجتمع تغيرت ملامحة و هزت قيمه ،فأصبح لزاما علينا جميعا صون ثقافته والتمسك بقيمه الحقة. وعدم السماح لأي كان العبت به والانتقاص من أهميته كموروث شعبي إنساني .
وهنا وجب التذكير أنه في الماضي وحتى القريب لم يكن مسموحا للأطفال والقاصرين ارتداء جلود الأكباش أو الماعز ،كما كانت أسر محددة على رؤس الأصابع في كل منطقة هي من أعطي لها من الأجداد ” بركة ” ارتداء الجلود ، وهذا جانب آخر من الميتلوجيا التي تميز ثقافة بوجلود .
اليوم ليس هو الحاضر فرغم ماتبدله مختلف الجمعيات الثقافية لصون وحفظ ما تبقى من ذاكرتنا الشعبية والدفاع عنها بل والترافع عنها كإرث انساني مشترك ، إلا أن هناك من يحاول دوما العبث بهذا المكون الثقافي الوطني والعالمي.
ليضل” بوجلود بيلماون ” أحد القواسم المشتركة بين فئات شعبنا الواحد ،دي التنوع الثقافي،
قتسم من القواسم المتداخلة والعديدة. فرابطي الثقافة والتراث يعدان الأبرز في التأثير العاطفي والفكري على الوجدان والعقل .وهنا تبرز الثقافة الشعبية التي هي المكونات الأولى للثقافة الوطنية، كقاسم مشترك نرى أن له المكانة الأقوى في التأثير ، لارتباطه بالمكونات التأسيسية لثقافة الفرد من تلامس معطياتها كجذور ذاكرتنا الشعبية الجماعية ومحدد للانتماء للوطن.
لتبقى ثقافة “بوجلود بيلماون ” أو “بولهيادر ” أو” هرمما “، ذلك الموروث الشعبي والثقافي اللا مادي ، الذي اضحى تراثا انسانيا موضوع العديد من الدراسات الاكاديمية وحديث العديد من الملتقياث الثقافية الوطنية والدولية .
خلاصة الكلام ، ما أحوجنا اليوم لأن نتبصر في العديد من الانزلاقات الخطيرة التي تسيء إلينا ولتقافتنا وتراثنا الشعبي ، ولكنها أبدا لن تنتقص أو تعصف بتراثنا اللامادي الشعبي بوجلود بيلماون ، كثرات وطني وإنساني .
فأول درس أخدت به الشعوب وهي في بؤرة أزماتها ، هو الإلتفات إلى أهم ما يجمع بين مكونات فئاتها ، خاصة منها الثقافة الثرات الوطني الشعبي .

ذ/ الحسين بكار السباعي
ممثل المنظمة الدولية للفنون الشعبية IOV العضو الفاعل باليونسكو بالصحراء المغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى