كتاب الراىمنوعات

السيبة / خاطرة 12

الميزان/ الدار البيضاء: الدكتور سعيد الناوي

almizan.ma

الجمعة 28 أكتوبر 2016

كانت بعض القبائل تغير على بعضها البعض، و كانت ساعتئذ تعيش في زمن” السيبة ” الذي عرفه المغرب في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي، و لاسيما بين سنوات 1909و 1912 و هي السنون التي عرفت فيها انتشارا واسعا “للسيبة ” و تمددا في مناطقها و اتساعا لحدودها على حساب بلاد المخزن.. فظهر “الزطاط”في بلاد السيبة حيث انحسر دور المخزن و ضعف تواجده و حفيت شوكته ، وصار “الزطاط” يؤمن مرور القوافل و الناس عبر بلاد “السيبة” مقابل إتاوات، كما ظهرت”النزالة” في أرض المخزن و هي ساحات محاطة بأسواك و أسلاك و عليها حرس يؤمنون مبيت المسافرين و المارين من بلاد المخزن كما يؤمنون لهم المأكل و المشرب مقابل إتاوات.. و هكذا كان الحال.. و هكذا كانت بعض قبائل” دكالة” تغير على بعض قبائل “عبدة” ، كما تغير بعض قبائل “عبدة” على بعض قبائل “دكالة”، شأنها في ذلك شأن بعض قبائل مرموشة التي كانت تغير على بعضها البعض.. كل حسب طاقته و عدته و عتاده و بحسب غفلة القبيلة الأخرى.. فلما تقوت شوكة المخزن و تمدد انحصرت بذلك بلاد “السيبة” و تقلصت لحساب السلطة التي بسطت سيطرتها على ربوع البلاد شيئا فشيئا حتى اختفت بلاد “السيبة” واختفى معه مفهوم كلمة”السيبة” و “الزطاط”و “”النزالة”.. و صار لكلمة “السيبة”معنى محرفا عما كانت لها من ذي قبل، فأصبح يعني عند من لم يعش”السيبة” كما كانت، أو لمن لم يقرأ عنها مرتبطا بالفوضى ،كما صارت كلمة “الزطاط” تعني الرجل الذي يقوى على تحمل المسؤولية خاصة في باب الزواج ، حيث تبحث الفتاة عن الرجل”الزطاط” كما يبحث هو عن المرأة “الكوطة” أي الحادقة في طبخها و تدبير شؤون بيتها.. و مع انحسار “السيبة” بمعناها التارخي ، ظهرت “سيبة” أخرى من نوع آخر و تعني إطلاق الحبل على الغارب.. فيعثوا هذا في الأرض فسادا و تدجينا و تمييعا باسم الحرية و الحق في إبداء الرأي و التعبير أو الحق في العيش كما يحلو لخدام “السيبة” و هواتها و عشاقها و المنادين بها و المنافرين عنها أن يدفعوا بها و في اتجاهها.. حتى ابتلينا “بالسيبة” في باب الفن و من ذلك الغناء، و صار هذا يعتلي المنصة و هولا يملك من مقومات الفن إلا إسمه و من شروط الطرب إلا رسمه.. فيأخذ في النهيق و الشهيق و العويل و قد جمعوا له من يصفق على كل شيء و على “لا شيء”..و كم منهم من أخذ يصول و يجول على أنقاض ما حفظناه في ذاكرتنا من جميل القول و اللحن فأخذه أخذ ظالم مقتدر و شرد القول و مزق اللحن و عتى فيها فسادا -لا سامحه الله- و لا سامح من أتى به… كما اعتلت تلك الأخرى المنصة و هي لا تملك إلا نصفا سفليا اختزنت فيه ما هو مشترك بين بنات حواء كلهن ، و وجها يكاد يتشابه مع وجوه بنات الألفية الثانية و كأنه نسخة مستنسخة من وجه واحد ، لا ينماز عن غيره لأن “ماكنة” التجميل و طابعته واحدة…. و كما ظهرت “السيبة” عند بعض المعتدين على مقاطع”شمس الأصيل”و “بارد و سخون”و “سيدي محمد يا بو جلابة حرير ،ظهرت”السيبة” في ملاعبنا حيث تغدق الأموال و يهدر الوقت على من لا تقدر قدماه على حمله فما بالكم بقدف الكرة أو “نطحها”من علياء…. و ظهرت “سيبة”الإعلام و الإشهارو الفقه و الدين و التدين و الصنعة و الحرفة و الوظيفة… حتى ملأت “السيبة” الأفق و سدته و زاحمنا” المتسيبون” و ما عدنا نملك إلا الإسترجاع و الحولقة و الاستغفار و أن ننادي على “الزطاط” و “البروال” و “النزالة”و أن نتأسف على ما فرطنا في ما كنا نسميه “الفلاقة”و “سي عامس”فقيه “المسيد” و “هاينة” و “عايشة قنديشة” لعلها تخيف هؤلاء المتسيبين و لعل “الزطاط”يؤمن رجوع “بلاد المخزن”..و إني لأراه آت…….
سعيد الناوي يغفر الله له و يتجاوز عنه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى