almizan.ma
من منا اقتحم العقبة ؟؟
الميزان/ الرباط: فقه و شريعة
*”فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة.”*
يسارع بل ويهرع كثيرون في العالم الإسلامي إلى أداء الفروض الدينية ، مثل الصلاة خمس مرات يوميا ، وصوم شهر رمضان ، والسفر لأداء العمرة أو الحج ، ولكن يبدو أن من يفعلون ذلك يتصورون أن أداء مثل هذه العبادات هو أكبر ضامن لهم لدخول الجنة .!
والحقيقة الغريبة هي أن القرآن لم يعط ضمانا على الإطلاق بدخول الجنة .!!
وأن القرآن الكريم أعطى أولوية أيضاً -لأمور أخرى- غفل عنها الكثيرون .!
وليس هناك وضوح في هذا الأمر أكثر من الآية القرآنية الكريمة التي تتحدث عن (*عقبة*) أو حائل يقف بين الإنسان وبين دخول الجنة ، وتصف الآية الرائعة كيفية اجتياز هذا المانع أو اجتياحه ، (أو *اقتحامه* كما وصفته الآية الكريمة) فقال عز وجل في سورة البلد :
*{{“فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ … وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ … فَكُّ رَقَبَةٍ … أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ… يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ … أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ … ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ … أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ”}}*
*(سورة البلد 11 ـ 18)”.*
يا له من وصف ونسج أدبي رائع ، (فأول عقبة) تعيق الإنسان عن دخول جنات الفردوس الأعلى يكون (اقتحامها) من خلال فك رقبة (أي تحرير إنسان من العبودية أو الرق) .
*والأمر بفك الرقاب في القرآن كان واضحاً كالشمس أيضاً، في قوله تعالى : {{“إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”}}*
*(التوبة ـ 60)* .. وهي الآية التي تحدد مصارف الزكاة .
قد يتساءل البعض : وكيف لنا اليوم أن نفك الرقاب ولا يوجد بيننا عبيد؟!
وهنا يأتي التأويل بأن الإنسان في زماننا الحالي قد يكون عبدا للفقر والجوع ، أوالظلم والهوان ، وأن إنقاذ البشر وانتشالهم من ذل العوز والإحتياج والقهر ، هو أفضل فك لرقابهم من ذل العبودية لمثل هذه الأمور ..!
*والآن ماهي العقبة الثانية ؟!*
وهذا ما ذكرت الآية الكريمة بإطعام في يوم ذي هول شديد (ذي مسغبة) ، يتيما قريبا (ذا مقربة) والقرب قد يكون في قرابة الدم ، أو قرب المكان ، أو في مفهوم الإنسانية عامة ، وقد يكون بـإطعام مسكين في قمة ضعفه وقلة حيلته ، حتى أنه عجز عن إزالة التراب عن جلده ، فاكتسى بصورة البؤس والهوان كما وصفه القرآن بأنه أي المسكين : {{“ذا متربة”}} !!.
وكما نلاحظ هنا أن الله جل جلاله ذكر في القرآن تعبيرات (يتيماً) ، و(مسكينا) ومن قبلهما (رقبة) ، من دون استخدام أدوات التعريف مثل (*ال*) قبل الكلمة ، حتى يعمم المعنى على الجميع ، أيا كان دينهم أو عقيدتهم ، فلم يقل عز وجل :
يطعمون اليتيم المسلم ، أو المسكين المسلم ، بل قال بصيغة النكرة :
*{{ “أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ… يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ… أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ” }}*
كي يسري المعنى على أي يتيم وكل يتيم ، أو أي مسكين وكل مسكين !!
وليس هذا الأمر بمستغرب في القرآن ، فذكر أيضاً :
*”وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا”. (سورة الإنسان).*
ثم يصف لنا القرآن بعد ذلك كيفية اقتحام العقبة الأخيرة ، لدخول جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب ، فكان ذلك بالتحلي بالصبر ، وبأن يكون الإنسان في قلبه رحمة (وتواصوا بالمرحمة) !.
وما أدراكم ما هي الرحمة ؟؟!!
فالرحمة لا تجعل إنسانا يعتدي على آخرين ، والرحمة لا تجعله يظلم زوجته أو زوجها ، والرحمة لا تسمح له أن يأكل حق غيره في العشرة أو الميراث ، والرحمة لا تعطيه مجالا للتعصب ضد غيره لأنه مختلف عنه في العقيدة أو الجنس ، بل وتمنعه من هتك الأمانة وأكل المال العام ، وتضع له حدود التسلط على رقاب العباد لنزوة أو مزاج منصب أو نفوذ على جماعة أو بلد ، بل إن الرحمة تدعو إلى العدل والإنسانية ، ومد اليد بلا تردد لكل من يحتاجها .
والرحمة كنز مكنون ، وينبوع يفيض بالغيث لكل من لجأ إليه !
فيا ترى من منا قد اقتحم العقبة؟