الفقه والشريعةقضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

“يَالَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ”، حين تكون النعمة اختبارًا للنفس

الميزان/ الرباط: بقلم أ. عبده معروف

almizan.ma

“يَالَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ”، حين تكون النعمة اختبارًا للنفس
الميزان/ الرباط: بقلم أ. عبده معروف
في زحمة الحياة، حيث تتشابك الأماني، وتتداخل الرغبات، ينظر الإنسان إلى مظاهر الغنى، فيتمنى لو أنه كان صاحبها، ويتطلع إلى الأبهة، فيرجو لو أنها كانت له، ثم ينسى أن كل ما يُمنح في الدنيا ليس مجرد متاعٍ يُعطى، بل هو اختبارٌ يُوضع أمام القلب، ليكشف عن حقيقته، وعن ما يحمله من نواياٍ لا تظهر إلا حين تمتلك اليد ما كانت تتمنى، “فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا *يَالَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ* إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٖ(79)” (سورة القَصَص)، فكم من قلوبٍ نظرت إلى النعيم، فظنته هبةً بلا حساب، وكم من نفوسٍ رأت الزخارف، فاعتقدت أن السعادة تُصنع بها، ثم جاءت اللحظة التي انكشف فيها المستور، وجاء اليوم الذي اكتشف فيه الجميع أن ما كان يبدو مجدًا لم يكن سوى هباء، وأن الثروة التي كانت تملأ الأعين، لم تكن سببًا للنجاة، بل كانت مدخلًا للهلاك الذي لم يكن يُحسب حسابه، إن المال ليس قوةً إلا لمن عرف كيف يُسخره لما ينفع، وليس نعمةً إلا لمن يدرك أنه أمانةٌ يُختبر بها، وليس مجدًا إلا لمن يحفظ قلبه من أن يكون أسيرًا له، فإذا تحولت الثروة إلى غرور، وإذا أصبحت زينة الدنيا هي معيار السعادة، فإن النهاية تكون كما كانت نهاية قارون، حين ظن أنه يملك كل شيء، حتى جاءه يومٌ لم يكن في حسبانه، فسقطت عنه الزينة، وانمحت كل مظاهر القوة، ولم يبقَ له من المجد الذي اغتر به شيءٌ يُنقذه، “فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ ٱلۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُنتَصِرِينَ(81)” (سورة القَصَص)؛ فكم من أناسٍ رأوا النعيم أمامهم، فظنوه بابًا إلى السعادة، حتى اكتشفوا أن الثروة إذا لم يُحسن الإنسان استخدامها، تكون عبئًا عليه لا رفعةً له، وكم من نفوسٍ تمنت أن يكون لها ما كان لقارون، حتى جاءت لحظة الحساب، فكان الجزاء عبرةً لكل من ظن أن الدنيا تُمنح بلا اختبار، وأن العطاء يكون مجرد هبةٍ تُعطى بلا مسؤولية، وفي هذا العصر، حيث تتسابق القلوب نحو المال، يصبح السؤال الأعظم: ماذا لو مُنحنا ما أوتي قارون؟ هل يكون ذلك نعمةً علينا، أم يكون اختبارًا لا نُجيده؟ هل يكون طريقًا للخير، أم يكون طريقًا للغفلة التي تُطمس بها البصائر؟ هل يكون نجاةً، أم يكون سقوطًا في نفس الفخ الذي وقع فيه الذين من قبلنا؟ فيا أيها القارئ، لا تجعل الدنيا تغرّك، لا تكن ممن يظنون أن النعيم هو ما يُرى بالعين، لا تكن ممن يتمنون ما كان لقارون دون أن يدركوا أن ذلك كان سببًا في زواله، بل كن ممن يعلمون أن العطاء حين يأتي، يكون اختبارًا، وأن الإنسان حين يُمنح شيئًا، يكون أمام اختيارين: إما أن يجعله وسيلةً للخير، أو أن يجعله طريقًا للهلاك!، “اللهم اجعل لنا من نعمك بركةً لا غفلة، ومن رزقك سبيلًا للنجاة لا طريقًا للغرور.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى