السياسيةالفقه والشريعةقضايا المجتمعمنوعات

كيف نعوّض ذبح الأضحية في حال نقص الماشية؟

الميزان/ الدار البيضاء: الدكتور عبد الرحيم أشن

almizan.ma

كيف نعوّض ذبح الأضحية في حال نقص الماشية؟
الميزان/ الدار البيضاء: الدكتور عبد الرحيم أشن
تُعد الأضحية من أعظم شعائر الإسلام المرتبطة بعيد الأضحى، وهي سنة واردة عن النبي ﷺ، تعبيرًا عن التقوى، والتقرب إلى الله تعالى.
غير أن الواقع قد يفرض في بعض الأحيان تحديات قاهرة، مثل: ارتفاع أسعار الأضاحي، أو نقص الماشية، أو أزمات اقتصادية أو بيئية.
فكيف نتعامل مع هذه النوازل؟
وهل تسقط الشعيرة؟
وهل يمكن تعويضها؟
هذا الموضوع يتناول الإشكالية من مختلف الزوايا، ويقترح بدائل شرعية وتربوية تُبقي روح الشعيرة حيّة في النفوس، ويُقدم للأسرة والمجتمع المسلم دليلًا عمليًا للتفاعل الواعي مع هذا الظرف دون الإخلال بجوهر الشعيرة ومقاصدها.
أولًا: التأصيل الفقهي لمسألة الأضحية؛
* حكم الأضحية:
عند جمهور العلماء: سنة مؤكدة.
عند بعض المالكية: واجبة على القادر؛ الذي لا يعوزه ثمنها عامه..
* مقاصد الأضحية:
– إحياء سنة إبراهيم عليه السلام.
– التعبير عن الشكر والتقوى.
– إطعام المساكين.
– إدخال الفرح على الأسرة والمجتمع.
* سقوط الأضحية في حال العجز:
من لم يستطع فلا حرج عليه.
القاعدة: “القدرة مناط التكليف”.
النيابة في الذبح أو الاشتراك في الأضحية:
الشراكة في الأضحية جائزة في البقر والإبل.
الوكالة في الذبح جائزة.
تذكير فقهي مهم:
الأضحية ليست فقط طقسًا دمويًا، بل عبادة قلبية قبل أن تكون فعلًا ماديًا.
قال الله تعالى: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) (الحج: 37).
ثانيًا: البدائل والوسائل التعويضية في حال عدم الذبح؛
_ النية الصادقة:
_ من نوى الأضحية ولم يستطع، كتب الله له الأجر.
قال ﷺ: إنما الأعمال بالنيات.
_ الصدقة النقدية بنية التقرب:
يُمكن تقديم مبلغ يعادل ثمن الأضحية للفقراء.
_ يشترط استحضار نية التقرب والشكر.
_ ذبح دجاج أو غيره كإدخال للفرح فقط (لا يُعد أضحية شرعًا):
لا يُجزئ شرعًا عن الأضحية.
لكنه وسيلة اجتماعية وتربوية لإحياء أجواء العيد خاصة مع الأطفال.
_ شراء لحم وتوزيعه:
من اشتَرى لحمًا ووزعه، نال أجر الصدقة.
يمكن التنسيق مع المحسنين والجمعيات الخيرية لهذا الغرض.
_ مشاركة في مشروع أضاحي جماعي عبر الجمعيات:
يمكن الاشتراك بمبلغ بسيط، بحسب القدرة.
تُعد طريقة فعالة لمشاركة الأجر في ظروف العجز الفردي.
ثالثًا: الزاوية الأصولية: التعامل مع النوازل؛
= قاعدة رفع الحرج:
(وما جعل عليكم في الدين من حرج).
تسقط بعض السنن عند المشقة أو الضرر.
= قاعدة البدائل المشروعة:
في حال تعذر الأصل، نبحث عن مقاصده، ونُقيم ما يحققها.
مقاصد الشريعة في شعائر العيد:
– إحياء ذكر الله.
– إظهار الفرح المشروع.
– التكافل والتراحم.
قاعدة “من فعل ما يقدر عليه كُتب له أجر ما عجز عنه”:
تُفتح بذلك أبواب الأمل والرضا والسكينة.
رابعًا: التربية على معاني القربان في غياب الذبح؛
/ شرح معنى التضحية للأبناء:
أن نضحي بأنانية، أو سلوك سيء، أو عادة غير مرضية.
أن نُعلمهم أن الأعياد ليست مظاهر استهلاك فقط.
/ تنمية روح القرب إلى الله بالأعمال البديلة:
صلاة العيد.
التكبير.
الصدقات.
صلة الأرحام.
زيارة المرضى والمحتاجين.
/ الأنشطة الأسرية التي تُبقي العيد حيًا:
* إفطار العيد الجماعي.
* توزيع الهدايا على الأطفال.
* إعداد بطاقات تهنئة من صنع الأطفال.
* تخصيص جلسة عائلية بعنوان: “ما معنى القربان؟ وماذا أقدّم أنا لله هذا العيد؟”
خامسًا: البعد التوعوي والاجتماعي؛
× حملات مجتمعية بعنوان:
“الأضحية روح.. لا لحم فقط”.
“عيد بلا ذبح.. لكن بفرح وتقوى”.
“نُحيي السنة.. بما استطعنا”.
× إعلام توعوي يُبصر الناس بأحكام الشعيرة:
عدم الوقوع في الحرج أو التأنيب
التركيز على القيم لا على المظاهر فقط.
× تعزيز ثقافة التراحم والتكافل الاجتماعي في العيد:
تبني الأسر الميسورة لأسر لا تقدر على الذبح.
تنظيم موائد جماعية تضم الفقراء والمساكين.
× مبادرات أسرية ومدرسية:
إعداد “مجلة العيد الأسرية” تحتوي مشاركات الأطفال.
مسابقة للأطفال: “ارسم قربانك لله هذا العيد”.
خاتمة:
ذبح الأضحية شعيرة عظيمة، لكن في حال تعذرها، فإن أبواب الخير لا تُغلق، والنية الصادقة تُعوض العمل، والمقاصد تُنال بوسائل متعددة، والفرح المشروع لا يُمنع.
فلنُحيي الشعيرة بالروح، وإن غاب الجسد، ولنُربِّ الأجيال على أن التقرب إلى الله لا يتوقف عند صورة واحدة، وأن الدين يُسر، وأن العيد في الإسلام فرحة روح، وسكينة قلب، ومشاركة مجتمع.
د. عبد الرحيم أشن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى