
almizan.ma
الحمد لله الذي من علينا وأكرمنا بنعمه التي لا تعد ولا تحصى، وان أجل وأعظم نعمة هي دين الاسلام، أنار الله به طريقنا وأخرجنا به من الظلمات الى النور، ومن عبادة العباد الى عبادة رب العباد،وقد خص الله تعالى هذا الدين بخصائص جعلته صالحا لكل زمان ومكان، وهذا البحث يتناول بحول الله خاصية الكمال والشمول ضمن خصائص العقيدة الاسلامية ، فأسأل الله عز وجل أن ينير طريقنا وينفعنا بما علمنا وينفع بنا انه ولي ذلك والقادر عليه.
المحور الاول: مفهوم العقيدة الاسلامية:
العقيدة في اللغة: مأخوذة من العقد، وهو الشدة والربط والاحكام.
وفي الاصطلاح العام : هي الأمور التي تصدق بها النفوس وتطمئن اليها القلوب، وتكون يقينا عند أصحابها، لا يمازجها ريب ولا يخالطها شك .
العقيدة شرعا: هي الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والايمان بالقدر خيره وشره، وتسمى أركان الايمان.
والعقيدة في الاسلام تقابل الشريعة، اذ الاسلام عقيدة وشريعة، فالعقيدة تقوم على التمسك بالكتاب والسنة ومجانبة الهوى والبدعة، ولزوم طريق السنة والجماعة الذي كان عليه الصحابة والتابعون، ومضى عليه الصالحون من السلف رحمهم الله تعالى.
بينما الشريعة تنبثق عن هذه الاصول وتتفرع عنها ، اذ هي بمثابة تنزيل يجعل لها صورا واقعية في حياة البشر، كما يحدد للمكلفين حدودا في أقوالهم وأفعالهم، والعقيدة الصحيحة هي التي غرسها النبي ﷺ في أصحابه ورباهم عليها، وعرفهم بربهم جل وعلا، وأن شأنهم هو شأن العبد مع الاله الخالق الرازق المشرّع، كما عرفهم تكاليف هذه العقيدة وأعباءها، فصبروا على الطريق الطويل الشاق، وخلصت نفوسهم لله، فالعقيدة هي الأساس الذي يقوم عليه البناء، والعمل الذي لا يقوم على العقيدة الصحيحة مصيره أن يكون هباء منثورا.
للعقيدة الإسلامية سمات وخصائص تميزها عن غيرها من العقائد والأفكار الأخرى، ومن أهم هذه الخصائص:
السلامة من اللبس والتناقض والاضطراب.
الكمال والشمول.
الوسطية والاعتدال.
تناسب الفطر السليمة، وتناسب المعقول الصريح.
تجمع ولا تفرق فهي عقيدة الألفة والاجتماع.
تخرج الناس من دواعي الهوى الى سبل الهدى.
وسنفصل القول بحول الله تعالى في خاصية الكمال و الشمول:
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة 3)، لهذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة، حيث أكمل الله تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون الى دين غيره، ولا الى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم وبعثه الى الانس والجن ، فلا حلال الا ما احله ولا حرام الا ما حرمه، ولا دين الا ما شرعه وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولا خلف، كما قال تعالى: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (الانعام 115) أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأوامر والنواهي، فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة.”
من فوائد هذه الآية ان الدين قد كمل فلا يحتاج الى زيادة أبدا، فما يفعله أهل الضلالة من البدع انما هو ابتداع في دين الله ، واتهام لهذا الدين بالنقص، وقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال النبي ﷺ :”من أحدث في دين الله ما ليس منه فهو رد” ،فأحكام هذا الدين لا تتغير ولا تبدل الى يوم القيامة، كما أن دين الاسلام جاء بمنهج متكامل شامل للحياة ، وبمصادر ثابتة لا تقبل التحريف والتبديل ،كما ان الاسلام خاطب جميع أنواع البشر ودعاهم بوسائل مختلفة لغاية الانتماء لهذا الدين، وهو شامل أيضا لكل ما فيه الخير للإنسان أينما كان ووقتما كان، فكما أنه شامل وعام فهو صالح لكل زمان ومكان للعرب وغيرهم، قال الله تعالى :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ (الانبياء 107)، فما من خير الا والنبي ﷺ دل أمته عليه ، وما من شر إلا حذر أمته منه، قال أبو ذر رضي الله عنه:” لقد تركنا رسول الله ﷺ وما يقلب طائر جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما.”
كما نجد خاصية الشمول بارزة واضحة في الإسلام الذي رضيه الله تعالى لنا دينا، فهو دين شامل كامل، لم يترك جانبا من جوانب الحياة الفردية والاجتماعية إلا وقد نظّمه تنظيما دقيقا شاملا لجميع النواحي، لذلك فإن العقيدة الإسلامية -كأثر لهذا الشمول العام في الإسلام- عقيدة شاملة فيما تقوم عليه من أركان الإيمان وقواعده وما يتفرع عن ذلك، وشاملة في نظرتها للوجود كله، تعرفنا على الله والكون والحياة والإنسان معرفة صحيحة شاملة.
وتتمثل خاصية الشمول في ما يلي:
رد هذا الوجود كله بنشأ وحركته وسكناته، والهيمنة عليه وتدبيره وتصريفه وتنسيقه الى إرادة الله عز وجل، فهو المبدع لهذا الكون ولكل شيء فيه ،وآيات القرآن الكريم أكبر شاهد على ذلك.
صورة أخرى من صور خاصية الشمول تبدو في الحديث عن حقيقة العبودية وخصائصها وصفاتها، ممثلة في عبودية الكون والحياة والإنسان، فيبين طبيعتها ونشأتها وأحوالها وعلاقتها فيما بينها، ثم علاقتها بالحقيقة الإلهية الكبرى، و يربط بين مجموع تلك الحقائق من جميع جوانبها، في تصور واحد منطقي فطري، يتعامل مع بديهة الإنسان وفكره ووجدانه، ومع مجموع الكينونة البشرية في يسر وسهولة. وهذا أمر بيّن في كتاب الله تعالى والآيات فيه كثيرة.
وصورة ثالثة من صور الشمول في العقيدة الإسلامية: أن الحديث عن تلك الحقائق الكلية السابقة، إنما يأتي في القرآن الكريم بأسلوب يخاطب فيه الكينونة الإنسانية بكل جوانبها وبكل أشواقها، وبكل حاجاتها، كما يعصمها من اللجوء والخضوع لغير الله في أي شأن وأي حال؛ أو قبول أية سيطرة أو قيد يأسره عن اتباع طريق الحق التي شرعها الله تعالى، ، فحدود منهج الله وشريعته يشمل جميع جوانب الحياة, فليس الأمر له تعلق فقط ب “العبادات” الفردية؛ ولا بأمر الآخرة -وحدهما- بل الأمر لله وحده، في الدنيا والآخرة, في السموات والأرض, في عالم الغيب والشهادة, وفي كل نَفَس، وكل حركة، وكل خطوة، وكل اتجاه:
قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ﴾ (الزخرف: 84)
وإذا كان هذا الدين قد بلغ ذروة الكمال والتمام والشمول، فإن العقيدة كذلك عقيدة تتميز بالتكامل، فجميع أجزائها مترابطة فيما بينها يأخذ بعضها بحُجَز بعض لتشكل كلا موحدا متناسقا، لا يقبل التجزئة والانفصام. ونجد للتكامل في العقيدة صورا شتى:
فأركان الإيمان كلها مترابطة ارتباطا وثيقا، يكمل كل منها الآخر ويرتبط به، بحيث لو حصل إخلال بواحد منها أو إنكار له، كان تأثيره على سائرها واضحا، بل إن هذه الأركان تتجمع حول الركن الرئيسي وهو الإيمان بالله تعالى. ومن هنا تأتي أركان الإيمان كلها في سياق واحد يحقق صفة الإيمان ، وتأتي النصوص القرآنية كذلك لتؤكد على الارتباط بين الإيمان بالله والإيمان بالملائكة، وتقرن الإيمان بالله مع الإيمان باليوم الآخر، وتجعل الإيمان بالرسل أمرا لا يتجزأ، فمن كفر بواحد منهم فقد كفر بهم جميعا، بل قد كفر بالله تعالى؛ لأنهم جميعا جاءوا من عند الله -سبحانه وتعالى- برسالة واحدة، وقد قرر الله تعالى ذلك في آيات كثيرة من القرآن الكريم كقوله تعالى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (البقرة -285)
وصورة أخرى لهذا الترابط نجدها في الصلة بين العقيدة أو الإيمان من جانب والعبادات والمعاملات وسائر الأحكام الشرعية العملية والخلقية، وتمتزج فيها الأحكام التشريعية بالأحكام الأخلاقية النابعة من الإيمان بالله تعالى وخشيته وتقواه.
وصورة ثالثة لهذا الترابط والتكامل في العقيدة نراها في تكامل الاعتقاد والعمل أو الإيمان والعمل حيث أصبحا شيئين يكمل بعضهما بعضا، ويقوي بعضهما بعضا، أو هما جانبان لشيء واحد، إذ رسوخ الفكرة الإسلامية يدفع للعمل بمقتضاها، والمواظبة على العمل بمقتضى الفكرة الإسلامية, يدعمها ويزيدها رسوخا” .
لهذه الخاصية آثار كبيرة تظهر في التناسق مع الفطرة التي فطر الله الإنسان عليها، فالإنسان بما فيه من تكامل في أصل الخلقة يجد الطمأنينة والراحة النفسية في هذا التوافق والتكامل في العقيدة وآثارها, وبذلك ينزع الإسلام من نفس الإنسان عوامل القلق والاضطراب.
كما أن هذه الخاصية توحِّد اتجاه الإنسان وحركته بما تقوم به من “التوفيق التام بين الوجهتين: الروحية والمادية في الحياة الإنسانية. وإنك لترى هاتين الوجهتين في تعاليم الإسلام تتفقان في أنهما لا تدعان تناقضا أساسيا بين حياة الإنسان الجسدية وحياته الأدبية فحسب، ولكن تلازمهما هذا وعدم افتراقهما فعلًا أمر يؤكده الإسلام، إذ يراه الأساس الطبيعي للحياة” .
وفي الختام نجمل خصائص العقيدة الاسلامية في كونها صالحة لكل زمان ومكان ،تتميز بالتناسق والانسجام، وهذا ان دل انما يدل على أنها ربانية المصدر، لا يداخلها أدنى شك أو اضطراب، وقد رضي الله لنا هذا الدين الاسلامي القويم ويسره لنا ليرفعنا بين الأمم ويجعلنا خير أمة أخرجت للناس، فحمدا لله أولا وآخرا على فضله وكرمه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
– المصادر والمراجع
1. القران الكريم
2. صحيح البخاري
3. الإسلام على مفترق الطرق لمحمد أسد ترجمة عمر فروخ / دار العلم للملايين بيروت لبنان.
4. أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان دار عمر بن الخطاب/ الاسكندرية
5. تفسير جامع البيان للإمام ابن جرير الطبري
6. تفسير القرآن العظيم لابن كثير الدمشقي.
7. الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة اهل السنة والجماعة للشيخ أبي القاسم اسماعيل التيمي الاصبهاني ت محمد بن ربيع المدخلي طبعة: دار الراية للنشر والتوزيع.
8. خصائص التصور الاسلامي سيد قطب دار الشروق /القاهرة.
9. الخصائص العامة للإسلام للدكتور يوسف القرضاوي
10. عقيدة التوحيد وبيان ما يضادها للشيخ الدكتور سلمان بن فوزان الفوزان طبعة دار القاسم.
11. عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسنة للدكتور سعيد بن وهب القحطاني فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية الطبعة الأولى 2008_1439
12. مجمل اعتقاد أهل السنة لعبد الله بن محسن التركي طبعة وزار الاوقاف والشؤون الاسلامية والدعوة الارشاد المملكة العربية السعودية.
13. مدخل لدراسة العقيدة الاسلامية لجمعة ضميرية مكتبة السوادي للتوزيع 1999م/ 1417ه ط 3.
14. مدخل لدراسة العقيدة الاسلامية للدكتور عثمان جمعة ضميرية مكتبة السوادي للتوزيع.