حتى لا نسقط في العقوق الجامعي
الميزان/ الرباط: الدكتور الصمدي

almizan.ma
حتى لا نسقط في العقوق الجامعي
الميزان/ الرباط: الدكتور الصمدي
“الجامعة المغربية العمومية ماتت منذ سنوات ولم تدفن بعد وأنتم تعرفون ماذا يحصل للجثث إذا لم تدفن ” !!!!!
إنه تصريح غريب صادم ومفاجئ للإعلامي توفيق بوعشرين،
هذا الرجل الذي تخرج ولا شك من إحدى مؤسسات هذه الجامعة العمومية، وانخرط في المجتمع فمارس مهنة الإعلام التي يعلم أن أساسها الاحتياط والنزاهة والمصداقية، وأخذ مسافة من الأحداث وعدم الوقوع تحت ضغط سياقاتها، ومن ثم تحليلها وتسمية الاشياء بمسمياتها وتقديرها حسب حجمها دون تهويل ولا تهوين ، فانتظرنا منه أن يقارب الموضوع بمهنية عالية عوض هذا الحكم القاسي ،
هذه الجامعة ياسادة تضم اليوم مليون ومائتي ألف طالب وآلاف الأساتذة الباحثين يقودون عشرات مسالك التكوين في المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود والمفتوح، يشرفون على عشرات مختبرات البحث العلمي ، وأقطاب وتكوينات الماستر والدكتوراة ، فما هي الرسالة التي تبعثون بها الى كل هؤلاء عبر هذا الحكم ؟
للجامعة المغربية كما الجامعات العالمية مشاكلها في التخطيط والإدارة والتدبير والتمويل والتكوين والبحث والعلاقة بسوق الشغل ، جزء كبير مما تعيشه الجامعة المغربية من إشكالات توجد فيها وفي نموذجا وفي أنماط تدبيرها كما يوجد جزء منها خارجها في الإدارة والمالية والاستثمار والتشغيل وغيرها ،
وهذه الأمور لا تخفى على أحد ، وينبغي أن تكون على الدوام محل تنبيه ونقد وتصويب ، وتحتاج الى مجهودات جماعية في التقييم والعلاج بشكل دائم ومستمر ،
وهناك مجهودات كبيرة تبذل في سبيل الارتقاء بهذه الجامعة وبخدماتها رغم الصعوبات والإكراهات وتوالي الإصلاحات ، وفضاء بشري كهذا متحرك لا يأمن من ان يتسرب إلى جسمه ” ميكروبات وفيروسات ” تحتاج على الدوام إلى التشخيص الدقيق والعلاج بالمضادات الحيوية المناسبة في الوقت المناسب ، على أن يستمر الجسم بتفاعلاته لتقوية مناعته فيصلح ذاته بذاته ما دامت تدب فيه الحياة ، وهذا ما يقوم به باستمرار عدد من الغيورين والعقلاء من داخل الجامعة ومن خارجها ،
لكن هناك اليوم بعض من تخرج من رحم هذه الجامعة دون أن يتذكرها بسطر أو بكلمة لصلة الرحم بها منذ أن تخرج من أحشائها بعد مخاض ، يغفلون عن ما تعرفه من صعوبات وإكراهات، كما لا يلتفتون إطلاقا الى ما قد تسجله من نجاحات وإنجازات فلا تجد من يعرف بها ويسلط الضوء عليها من باب العدل والإنصاف ،
ولا تجلبهم إليها مع كامل الأسف إلا أخبار بعض الممارسات والسقطات الغريبة عنها وعن رسالتها ومهمتها، فتلفت أنظارهم ، فيشحذون ساعتها السكاكين للإجهاز عليها ثم الدعوة إلى دفنها والتخلص منها ، في عقوق ونكران جميل واضح عوض أن ” يعطيوا يد الله ” لانقاذها والحفاظ على كيانها ، والوقوف في وجه كل من تسول له نفسه هدمها بممارسات مشينة مرفوضة تعالج قضائيا ومؤسساتيا،
عدت للتو من أنشطة علمية مكثفة بجامعة محمد الأول بوجدة وهي جامعة عمومية مغربية عريقة حيث جلست إلى طلبة وطالبات في أسلاك الماجستير والدكتوراة من أبناء المجتمع العميق ، عيونهم تشع أملا، متحفزين الى العطاء تواقين للعمل الاكاديمي الجاد ، وأساتذة مؤطرين يعطون من صحتهم ووقتهم لطلبتهم بمهنية عالية مقدرة ، وإدارة تبذل ما في وسعها لتوفير شروط التكوين والبحث رغم الاكراهات والصعوبات ،
وقد نظر الجميع الى الخبر المنتشر هذه الايام عن تهمة بيع دبلومات باستنكار واستهجان وأسف منتظرين قول القضاء ، دون أن يفث الخبر السيء في عزائمهم ، فهم يؤمنون بقاعدة” أن المرض يعالج بتقوية المناعة لا بقتل المريض ”
وبمناسبة هذا الخبر المؤسف الذي يوجد قيد التحقيق بقرينة البراءة ، ظهر من يريد خنق هذا الأمل في نفوس هؤلاء الطلبة الذين لا ملجأ لهم من هذه المؤسسة الوطنية إلا إليها، وعوض التعامل مع الموضوع بحرفية ومهنية وإنصاف ، تجدهم يشيرون الى نصف الكأس الفارغ ،ويجعلون من هذه السقطات أصلا وغيرها استثناء ، فيحكمون على هذه السفينة وما حملت بالغرق والفناء،
تلك الجامعة التي أعطت لهذا الوطن مئات الآلاف من المدرسين والاطباء والمهندسين والاعلاميين والفنيين والتقنيين والعاملين في مختلف الحرف والمهن،
تلك الجامعة التي طالما احتضنت قضايا الدين والوطن والأمة وحقوق الإنسان ورفعت من منسوب الوعي بها وعبأت من أجلها ، ولا تزال هذه رسالتها الى اليوم ،
حتى إذا ظهر في جسمها داء غريب عنها بسبب ضعف في مناعتها، سارعوا مع كامل الاسف إلى إعلان خبر نعيها ودعوا الى استعجال دفنها ، عوض الاسهام في إنقاذها وعلاجها ، وهم على الدوام لقوله تعالى “وإذا قلتم فاعدلوا ” قارؤون ، ويعلمون أن النقد العلمي والمهني موضوعي أو لا يكون،
فالجامعات كسائر المؤسسات الاجتماعية والإدارية العمومية ليست فضاء خالصا للملائكة ، كما أنها ليست حكرا على الشياطين ،
،