السياسيةالقانــونقضايا المجتمعمنوعات

البوليساريو تغيّر النغمة: من شعار الانفصال إلى “فاتورة السلام” مع المغرب

الميزان/ الرباط: متابعة

almizan.ma

البوليساريو تغيّر النغمة: من شعار الانفصال إلى “فاتورة السلام” مع المغرب
الميزان/ الرباط: متابعة
في تحول غير مسبوق في خطابها السياسي، أعلنت جبهة بوليساريو استعدادها لتحمل ما وصفته بـ”فاتورة السلام” مع المغرب، وقبولها العودة إلى طاولة المفاوضات، بعد أن فقدت الكثير من أوراقها ومجال مناورتها.
وجاء هذا الإعلان بالتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس الأمن الدولي المخصصة لملف الصحراء المغربية، ما يعكس إدراك الجبهة المتزايد بأن ميزان القوى والدعم الدولي لم يعد في صالحها.
وخلال ندوة صحفية بالعاصمة الجزائرية، قال محمد يسلم بيسط، الموصوف بوزير خارجية الكيان الانفصالي، إن الوقت قد حان لإيجاد حل “يفتح الباب أمام مرحلة جديدة”، مضيفاً أن “السلام مع المغرب ستكون له فاتورة كبيرة، ونحن كصحراويين مستعدون لدفع حصتنا منها، مهما كانت التنازلات السياسية أو النفسية أو الاقتصادية المطلوبة”.
وهذا التحول في نبرة الجبهة لا يمكن فصله عن واقع العزلة المتزايدة التي باتت تعيشها، بعد أن فشلت في الحفاظ على تحالفاتها القديمة، وتلاشى خطابها الانفصالي أمام الإجماع الدولي على مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي ووحيد للنزاع.
وفي خطوة لافتة، بعث زعيم الجبهة إبراهيم غالي برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، يؤكد فيها استعداد بوليساريو لتقاسم “فاتورة السلام” مع المغرب، في إشارة واضحة إلى قبولها بمبدأ التسوية.
كما أبدى قياديون في الجبهة مرونة غير معهودة، مؤكدين استعدادهم لقبول مقترح الحكم الذاتي في حال اختاره الصحراويون عبر استفتاء، بل وقدموا مقترحاً شبيهاً يتضمن خيار “الارتباط الحر” الذي يشبه إلى حد كبير مبادرة المغرب.
ويرى مراقبون أن هذا التحول يعكس نجاح الدبلوماسية المغربية في قلب المعادلة. فخلال العقدين الماضيين، قاد الملك محمد السادس سياسة هادئة وفعالة أعادت تموضع المغرب إقليمياً ودولياً، من خلال تعزيز الشراكات التنموية في إفريقيا، وتكريس الحضور المغربي داخل المؤسسات الدولية.
وقد تحولت قضية الصحراء من نزاع سياسي إلى نموذج للتنمية والاستقرار، ما جعل العالم يتعامل مع المبادرة المغربية بوصفها الحل الجاد والوحيد.
وفي هذا السياق، ينتظر أن يصوت مجلس الأمن في 31 أكتوبر الجاري على قرار جديد بشأن الصحراء المغربية، وسط مؤشرات داعمة للموقف المغربي. فثلاث من الدول الدائمة العضوية — الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا — تؤيد المقترح المغربي بشكل صريح، بينما أرسلت روسيا إشارات تميل نحو تأييد الرباط بعد سنوات من الحياد النسبي.
وتمثل المسودة الأميركية الجديدة أمام مجلس الأمن خطوة إضافية لترسيخ مبادرة الحكم الذاتي المغربية كإطار وحيد للتسوية، مع دعوة صريحة لكل من الجزائر وجبهة بوليساريو للعودة إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة.
ويربط محللون مرونة الجبهة الأخيرة بتخوفها من تقارب محتمل بين الرباط والجزائر برعاية أميركية، ما قد يفقدها آخر أوراق الضغط التي تمتلكها. فواشنطن تنظر إلى تطبيع العلاقات بين البلدين كخطوة ضرورية لإرساء استقرار إقليمي جديد، مع تقليص الدور الجزائري في ملف الصحراء.
وفي حال رفعت الجزائر يدها عن الجبهة، سيجد الانفصاليون أنفسهم في عزلة تامة، في مواجهة مباشرة مع الموقف المغربي المدعوم دولياً. لذلك، تسارع بوليساريو اليوم للتموضع من جديد قبل أن تُفرض عليها التسوية كأمر واقع.
وفي خضم هذا التحول، يبدو أن الجبهة بدأت تدرك أن الزمن السياسي تغيّر، وأن خطاب الانفصال لم يعد يجد من يصغي إليه.
فبعد نصف قرن من الشعارات المتكلسة، تلوح اليوم نبرة مختلفة في تندوف: نبرة واقعية تتحدث عن “سلامٍ بمقابل”، وتقبلٌ ضمني بأن مستقبل المنطقة لن يُكتب إلا تحت سيادة المغرب، في إطارٍ من التنمية المشتركة والاستقرار الإقليمي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى