كتاب الراى

عذرا سيبويه.. ماتت اللغة العربية في زمن المعاجم

الميزان/ نعيمة الواجيدي

almizan.ma

عذرا سيبويه! ماتت اللغة العربية في المعجم الكافي، ولم يمت الحمار!

نبدأ بإحدى الطرائف النحوية، فمما يحكى عن سيبويه أن خادمه هرع إليه مسرعا حين رأى الحبل قد التف حول عنق الحمار، حتى كاد أن يخنقه، فقال: “تلفلف الحبل في عنق الحمار “فقال له سيبويه: “يا بليد، قل: “لُف الحبل حول رقبة الحمار” فقال الخادم: “لكن يا سيدي، أدرك الحمار قبل أن يموت!” فقال له سيبويه: “لموتُ الحمار خير من موت اللغة العربية!”، وفي رواية أخرى “يموت الحمار ولا تموت اللغة العربية!”
حين نتصفح المعجم الكافي، في طبعته الثانية “المزيدة المصححة” التي صدرت عن المركز الثقافي العربي، نصادف سيلا من الأخطاء المتنوعة، وهذه الأخطاء لا تنحصر في الإملاء والشكل والمعجم والصرف والتركيب، وإنما تمتد إلى شرح الألفاظ أيضا، فمن ذلك، شرح كلمة عاشوراء، ص 344 “عاشوراء يوم مصرع الحسين حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم في العاشر من محرم”.
ولا يخفى أن موت الحسين، رضي الله عنه، ليس سوى حدث تاريخي تزامن مع يوم عاشوراء، ومن ثم، فإنه لا يصلح لأن يكون تعريفا لعاشوراء، لأن في ذلك بعدا عن ماهية المعرف، وعاشوراء، كما ورد في مادة عشر في لسان العرب، هو “اليوم العاشر من المحرم” ويمكن أن تضاف الى هذا التعريف معلومات أخرى، كمقتل الحسين، رضي الله عنه، وصيام المسلمين المستحب في هذا اليوم.
يعرف المعجم الكافي لفظة “عاقر، جمع عواقر، الأنثى التي لا تلد” ص 342. وهذا خطأ، لأن علم الطب الحديث أثبت أن العقم ليس خاصة محصورة في المرأة، وإنما ترتبط بالرجل أيضا، وكان ينبغي أن يفسر لفظة عاقر، بالمرأة التي لا تلد، وبالرجل الذي لا يولد له ولد، لأن مصطلح الأنثى يطلق على الأنثى من الحيوان والإنسان.
ورد في تعريف عباءة “عباءة لباس يرتديه البعض فوق ثيابه له أكمام ومفتوح من الأمام” ص 343. بغض النظر عن ركاكة اللغة، فإن العباءة لباس ليس له كمان، وهذه خاصتها الأساس التي تميزها من غيرها من الألبسة، كالجلباب وغيره، ومن أنواع العباءات، عباءة المحامي مثلا، وفي عبارة ليس له أكمام عدم تدقيق، لأن لباس البشر، كما نعلم، له كمان فقط!
يعرف المعجم مصطلح عالم في ص 342 كالتالي “عالِم جمع عُلّام وعالمون، متصف بالعلم العميق”. وهذا ليس تعريفا، وإنما هو وصف عائم غير دقيق، والأقرب إلى تعريف العالم أن يحدد بأنه شخص متخصص في علم من العلوم، كعلم الفيزياء مثلا، ويلاحظ أن العالم لم يجمع على علماء، وهو الجمع المعروف المتداول، وإنما جمع على عُلام، وهو وإن كان صحيحا، ليس متداولا، ولا يحسن أن يُعدل في معجم حديث عن اللفظ المتداول إلى النادر.
يعرف المعجم الكافي لفظة عامّيّ في ص 342 “عامي، منسوب إلى العامّ، الكلام الذي على ألسنة العامة والناس”، وهذا خطأ، لأن العام اسم فاعل، من عم يعم، أي شمل وانتشر، كقولنا تعم الأخطاء المعجم الكافي، فهي عامة فيه. ولا يخفى أن العاميّ منسوب إلى العامة، وهي عكس الخاصة، وقد حذفت تاء العامة، وأضيف إلى آخرها ياء مشددة، كسر ما قبلها.
يعرف المعجم الكافي العامي بأنه الكلام المنسوب إلى العامة، والعامي لا يقتصر على اللغة التي تسمى العامية، كالعامية المغربية، وإنما يشمل كل ما هو منسوب إلى العامة، كالذوق العامي مثلا.
لقد تعمدنا تتبع أخطاء المعجم الكافي في صفحتين فقط، لنبرز للقارئ الكريم مدى تعسف هذا المعجم على اللغة العربية، ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نقول:
عذرا سيبويه، فأنت لم تغفر لخادمك خطأ في اللغة، وهو من العامة التي لا دراية لها بقواعد اللغة، فكيف تُغفر هذه الأخطاء لمؤلفي المعجم الكافي، وهم من أهل الاختصاص، كما يزعمون؟!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى