من أجل مدينة منظمة وهوية حضرية عادلة: هل يكفي تحفيز المجتمع المدني دون التزام فعلي من السلطة؟
الميزان/ بوزنيقة: ربيع الكرعي

almizan.ma
من أجل مدينة منظمة وهوية حضرية عادلة: هل يكفي تحفيز المجتمع المدني دون التزام فعلي من السلطة؟
الميزان/ بوزنيقة: ربيع الكرعي
في سياق اللقاء الذي انعقد اليوم بمدينة بوزنيقة، والذي جمع السلطات المحلية بعدد من الجمعيات وممثلي المجتمع المدني ومنابر صحفية محلية، تمّ التركيز على تحفيز الفاعلين المدنيين لإطلاق حملات تحسيسية واسعة من أجل تحرير الملك العمومي، في إطار ما اعتُبر مساهمة محلية في الاستعدادات الوطنية لاحتضان كأس العالم 2030.
وقد افتتح الاجتماع بمداخلة باشا المدينة، ركز فيها على ضرورة تحرير الملك العمومي، دون أن يشير بأي شكل إلى الملك العمومي البحري، رغم كونه من أكثر النقاط السوداء التي تشوه المشهد الحضري للمدينة. وهذا في حد ذاته يطرح علامات استفهام حول تغييب واحدة من أبرز أولويات التنظيم الحضري، خصوصاً أن تحرير الملك العمومي البحري لم يكن مقترحًا جديدًا، بل كان من صلب معارك الحزب الاشتراكي الموحد، حيث دعا مرارًا إلى ضرورة استرجاع هذا الفضاء الحيوي لصالح المدينة وساكنتها.
فرع الحزب الاشتراكي الموحد بالمدينة كان سبّاقاً إلى الدعوة لتحرير الملك العمومي البحري، في إطار رؤية شاملة تهدف إلى تنظيم المجال، والقطع مع الفوضى والعشوائية، وتوفير أسواق للقرب، بما يعزز العدالة المجالية ويمنح المدينة هوية حضرية متميزة. لكن ما تم تسجيله اليوم خلال الاجتماع هو تنصل السلطة من هذا المطلب المشروع، وكأن الأمر لا يدخل ضمن أولوياتها، رغم كل ما يترتب عن احتلال هذا الفضاء من تبعات اقتصادية وسياحية وتنموية.
وفي بيانه الأخير، الصادر بعد اجتماع مع باشا المدينة، نبه الحزب إلى خطورة الوضع القائم، محذراً من نتائج التراخي في مواجهة الاحتكار والانفلات في مراقبة الأسعار واحتلال الملك العمومي، بما في ذلك تفاقم الأزمة الاجتماعية وضرب القدرة الشرائية للمواطنين. كما انتقد الحزب بشدة الصمت الذي وصفه بـ”المتواطئ”، في ظل اعتراف صريح من السلطة اليوم بامتلاكها لمعطيات دقيقة حول الجهات التي تحتكر السوق وتساهم في رفع الأسعار، دون اتخاذ إجراءات فعلية.
وإذا كان تحفيز المجتمع المدني على حملات التوعية ضرورياً، فإنه يبقى غير كافٍ ما لم تُقابله إرادة سياسية حقيقية من طرف السلطة المحلية، التي تبقى الجهة الوحيدة المؤهلة قانوناً لفرض النظام وتطبيق القانون. المطلوب اليوم ليس فقط تعبئة الجمعيات، بل مساءلة حقيقية عن أسباب هذا التأخر الطويل في الاستجابة لمطالب مجتمعية واضحة وملحة.
وفي سياق متصل، لا بد من التذكير بأن المجلس الجماعي ما زال لم يفتح أسواق القرب التي طال انتظارها منذ أكثر من سنتين، مما يزيد من تعقيد أزمة الباعة الجائلين ويُؤجل تحرير الملك العمومي. وقد سبق أن التزم باشا المدينة بفتح سوق الخميس بجماعة الشراط “في الأيام المقبلة”، إلا أن هذه “الأيام” امتدت اليوم إلى ثلاث سنوات دون تنفيذ، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤل: هل هناك إرادة فعلية لتنظيم التجارة والفضاءات العامة، أم أن الأمر مجرد وعود ظرفية؟
ختامًا، إن احترام الإنسان لا يُختزل في مناسبة أو حدث رياضي، بل هو نضال يومي ومبدأ أساسي في السياسات الحضرية. والمدن العادلة لا تُبنى بشعارات المناسبات، بل بإرادة مستمرة، وقرارات مسؤولة، وشراكة شفافة بين السلطة والمجتمع.
الدكتور ربيع الكرعي
عضو فرع الحزب الاشتراكي الموحد بمدينة بوزنيقة
وعضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد