
سلطة المخزن أم سلطة السلطة؟ الداعي إلى طرح هكذا سؤال مرتبط أساسا بالتعاريف التي تقترحها علينا مختلف الدراسات السوسيولوجية والتاريخية التي انشغلت بالمخزن، والتي تؤكد في البدء على أنه سلطة مجسدة لنظام معين.
إذن ما الذي نصبو إلى مجابهته آنا؟ هل سلطة المخزن أم سلطة السلطة؟ فما هي بالضبط حقيقة هذه السلطة المخزنية/سلطة السلطة؟ وما هي حدودها ومحدداتها؟ وكيف تلوح في هذا المجتمع؟ وما هي هويتها ومرتكزاتها؟ وماذا عن ممارستها في فضاء يؤطره الهاجس الأمني؟
إنها جملة من الأسئلة التي تمتلك بعضا أو كلا من الوجاهة, قبالة نظام مخزني يعمل جاهدا على تدعيم سلطاته، وممارستها كليا من غير انتقاص. هي أسئلة لا تنتظر إجابات شافية، بقدر ما تهدف إلى توسيع النقاش تحديدا حول حدود وأبعاد السلطة المخزنية بالمغرب.
تحتل السلطة مكانة هامة ضمن دائرة الانشغال السوسيولوجي، وذلك بسبب ما تنفتح عليه، كموضوع “ثري” من قضايا تهم المجتمع كله، فالسلطة ظاهرة مجتمعية بالأساس، تعبر عن مسار إنساني من التفاعل والصراع الاجتماعي، الذي وصل في نهايته أو ربما في بدايته، إلى تحديد للمسؤوليات، وتوزيع قصدي أو اعتباطي للسلطات.
إن سلطة المخزن تخترق المجتمع كليا، وتمارس عليه جميع أشكال الاحتواء اعتمادا على القوة المجسدة لهذه السلطة، ذلك أن “حقل السلطة هو حقل قوى محدد في بنيته بحالة علاقة قوة بين أشكال من السلطة أو أنواع مختلفة من الرأسمال، وهو كذلك غير قابل للفصل، إنه حقل صراعات من أجل السلطة بين مالكي سلطات متباينة”(1).
وهكذا لما نستعير مفهوم الحقل البورديوي، ونطبقه على السلطة المخزنية يتراءى لنا هذا الحقل مفتوحا على كافة الاحتمالات، ومؤهلا لاحتضان كل حالات السواء والخلل الاجتماعي أيضا. فسلطة المخزن وبفضل ما تتوفر عليه من آليات مؤسساتية، وبفضل ما تستثمره من علاقات مع الهياكل المجتمعية الأخرى، وما توظفه من دعائم إيديولوجية، تسجل حضورها بشكل مكثف على مستوى الترابطات والتقاطعات الاجتماعية، لتصير في النهاية سلطة فوق السلط، توجه وتنمط وتدجن وفق معطيات القائم من الأوضاع، وخدمة لما يرتضيه الذين يستفيدون فعلا من هذه السلطة. وهي بذلك تتبوأ مرتبة أولى في نظام السلطة بالمغرب. هذا النظام الذي يتكون إجمالا من ثلاث أنظمة متداخلة هي:
• السلطة المخزنية: أو سلطة السلط، والجزء الأكبر منها غير ظاهر، ويعمل خارج مجال الدستور والقانون.
• الإدارة والحكومة: أي التقنوبيروقراطية، وتتوفر على حد أدنى من الشفافية، ويعتبر البرلمان أحد توابعها، لكنها مع ذلك تظل محكومة بالسلطة المخزنية.
• السلطة الاقتصادية: وقد تصاعدت أهميتها في السنوات الأخيرة، وارتبطت بالاحتكارات والسوق السوداء، والمخدرات والرشوة، وتتحرك في الكثير من الأحيان تحت حماية السلطة(2).