almizan.ma
شاطئ المهندس ليس ككل الشواطئ، يقع في جزيرة المهندس، الجزيرة التي هاجمت البحر فاخترقته و قسمته إلى شطرين، هو ليس شاطئا عاديا ولا مألوفاء، فهو يفترش الصدفيات الزاهية ألوانها، والمتعددة أشكالها، ولا أثر فيه للرمال، وحده المشي فوق تلك القواقع فيه متعة لم تجد لها قواميس اللغة وصفا، وأمواجه المضطربة المختلجة تدفع تلك القواقع ثم تسحبها في رجرجة و خشخشة شبيهة بخشخشة خيول التبوريدة المسومة، ثم إن مياهه هي الأصفى والأنقى والأبهى، تحسبها العين نبعا معدنيا أصيلا زلالا، مياه شاطئ المهندس شفافة كاشفة لقاعه المستوي، ذي الأثر اللين.
الحياة في شاطئ المهندس ساكنة هادئة إلا من كر وفر الموج وهو يلامس ركام الصدفيات، وهو شاطئ لا زال على سجيته وسليقته وسيرته الطبيعية الأولى، وهو شاطئ غير محروس، وزواره قلة، يغتنمون تلك القطعة الهابطة من السماء ليستطيبوا لهم مقاما لن يجدوا له نظيرا في جميع شواطئ العالم، فقد حوى هذا الشاطئ كل بهاء ونضارة شواطئ العالم، فمياهه ذات اللون السماوي شبيهة بمياه جزر المالديف، ولما لا يكون شاطئ المهندس أصلا ومياه المالديف تقليدا؟ ثم إنه لا تحفه مقاهي الشواء بدخانها، ولا تحاصره المطاعم بضجيج زبنائها، ولا يحيط به رهط حراس السيارات الفضوليين المبتزين، ولا أثر فيه للخيل والجمال التي يجرها أصحابها على السواحل وكأنهم قافلة من قوافل قريش، إنه عالم فريد متفرد، من أبدعه أبدع منه نسخة واحدة خلقها بعنايته في جزيرة المهندس …
لا يمكن الوصول إلى شاطئ المهندس إلا عبر ممر واحد غير معبد بطول 11 كيلومتر، وهذه نقطة سوداء في سجل السلطات هناك، في معبرك غير المعبد يوقفك حاجز للقوات المساعدة، يسألك مخزني بأدب، من أين أتيت؟ وإلى أين وجهتك؟ ثم يسألك عن طبيعة عملك، فإذا لم يشف جوابك غليله قد يفتش صندوق سيارتك، من الناحية القانونية فذلك المخزني لا يجيز له القانون أعمال تفتيش أمتعة الناس، ولا حتى سؤالهم ، فهو لا يملك الصفة الضبطية ، لكني قرأت في عينيه انشراحا حين أعلمته أني محام، حتى أنه خاطبني بكلمة “الرئيس” وفتح لي الباب بضحكة بريئة، وأذن لي بالعبور بترحيب.
لا أدري السر وراء كل هذا التشدد في دخول جزيرة المهندس، وقد بحثت في الأمر فوجدت أن نائبا برلمانيا عن المنطقة سبق وأن وجه سؤالا في الموضوع لوزير الداخلية حول ما سماه صاحب السؤال ب”حصار قرية المنهدس” عن طريق ذلك السد، لكني لم أجد أثرا لجواب وزير الداخلية، ربما يراقبون دخول مواد البناء للحد من العشوائيات على الجزيرة، أو يترصدون الممنوعات، لكن موقف المخزني سيكون محرجا إذا ضبط ممنوعا، فالقانون لا يسعفه في المعاينة والتفتيش وتحرير المحاضر، على أن صون وحراسة الجزيرة بذلك السد هي متجاوزة، فالجزيرة مفتوحة على مصراعيها، وكلها منافذ وممرات على البحر نفسه، والقوارب فيها تصول وتجول بعيدا عن رقابة سد المخزني، إلا إذا كان هناك مخزني آخر يجوب الجزيرة بزورقه…
أعود لشاطئ المهندس الذي لم أجد لتسميته تفسيرا، لكن سبحان الذي أبدع وهندس ذلك الشاطئ وجمع فيه ما انعدم وتفرق في غيره…
شاطئ المهندس فعلا، قطعة هبطت من الجنة، ولا تزال عذرية طاهرة خالصة، لم يصلها ” الماغول” ويعيثون فيها تلوثا …