الفقه والشريعةكتاب الراى

تيسير الحكم العطائية 5

الميزان/ الدار البيضاء: الدكتور لرزق

almizan.ma

الحكمة الخامسة:

(اجتهادُكَ فيما ضَمِنَ لكَ وتقصيرُكَ فيما طَلَبَ منكَ دليلٌ على انْطماسِ البصيرةِ منْكَ).
تعريفات:
الاجتهاد: إستفراغ الجهد والطاقة.
التقصير: التفريط والتضييع.
البصيرة: نظر القلب كما أن البصر نظر العين.
الطمس: المحو والإتلاف والإخفاء.
بعد ان طلب منك أن تريح نفسك من التدبير، وبين لك أن ما قام به غيرك عنك فمن العبث أن تقوم به بنفسك. استشعر منك سؤالا عن القدر الذي ينبغي لك من التدبير الذي تقيم به حياتك،  فزادك بيانا وايضاحا. فأراد أن يجلو قوة نظرك،  فذكر لك ناظرين منك، أحدهما يلتقط المحسوس والملموس، وثان يلتقط المعاني وأنوارا من اللوح المحفوظ، هما ناظر القلب وناظر العين، لإزالة الانطماس عن الأولى والغشاوة عن الثانية.
فأخبرك مرة اخرى أن اجتهادك فيما ضمن لك وقام به غيرك (الله) عنك وهو رزقك وتقصيرك فيما طلب منك وهي العبادة دليل على انتكاس فطرتك ومشيك منكبا على وجهك. فالاجتهاد في المضمون من الله المستدعي لراحة النفس، والتقصير في مجال المنافسة التي لا يقوم بها عنك غيرك إلا انطماس في بصيرتك.
ففي معرض العبادة طلب منك اقصى الجهد، فلا يقبل منك تقصير، وفي تدبير أمور الدنيا عفي لك عن الإجمال في الطلب،  ونهيت عن الاجتهاد فيها. وذلك لأن الدنيا كنهر طالوت لا ينجو منها إلا الذي أعرض عنها بالكلية بالتجريد أو من اغترف منها غرفة مجملا في الطلب. أما من شرب منها على قدر عطشه هلك. وقد قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (مَن سَعى عَلى والِدَيْهِ فَفي سَبِيلِ اللَّهِ، ومَن سَعى عَلى عِيالِهِ فَفي سَبِيلِ اللَّهِ، ومَن سَعى عَلى نَفْسِهِ لِيُعِفَّها فَفي سَبِيلِ اللَّهِ، ومَن سَعى عَلى التَّكاثُرِ فَهو في سَبِيلِ الشَّيْطانِ )
فما مراده منك وما مرادك انت منه..
قال سهل رحمه الله: (للعباد على الله ثلاثة أشياء: تكليفهم، وآجالهم، والقيام بأمرهم، ولله على العباد ثلاثة أشياء إتباع نبيه، والتوكل عليه، والصبر على ذلك إلى الموت). فمن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد. وينقل لنا كعب الأحبار رضي الله عنه كلمات وجدها مكتوبة في التوراة يقول الله عزوجل ( يا اِبنَ آدمَ خَلَقتُكَ لِلعِبَادةَ فَلا تَلعَب , وَقسَمتُ لَكَ رِزقُكَ فَلا تَتعَب , فَإِن رَضِيتَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ أَرَحتَ قَلبَكَ وَبَدنَكَ ، وكُنتَ عِندِي مَحمُوداً , وإِن لَم تَرضَ بِمَا قَسَمتُهُ لَكَ فَوَعِزَّتِي وَجَلالِي لأُسَلِّطَنَّ عَلَيكَ الدُنيَا تَركُضُ فِيهَا رَكضَ الوُحوش فِي البَريَّةَ ، ثُمَّ لاَ يَكُونُ لَكَ فِيهَا إِلا مَا قَسَمتُهُ لَكَ ، وَكُنتَ عِندِي مَذمُومَا ) . و قد نستغني بالحديث الصحيح الذي يرويه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي أَمْلَأْ صَدْرَكَ غِنًى، وَأَسُدَّ فَقْرَكَ، وَإِلاَّ تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلاً، وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ)
فأشرف غايات العبد التي لا غاية له أجل منها عبادة ربه والإنابة إليه، (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون)، وهذا عقده وصك عبوديتك، (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) ، فقدر السلعة يعرف بجلاله قدر مشتريها وبمقدار ثمنها. فالسلعة أنت والمشتري هو الله والثمن جنته والنظر إلى وجهه وسماع كلامه في دار الأمن والسلام. وقد جاء في بعض الآثار يقول تعالى : (ابن آدم خلقتك لنفسي وخلقت كل شيء لك فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك عما خلقتك له ) ، وفي أثر آخر يقول تعالى : (ابن آدم خلقتك لنفسي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى