كتاب الراىمنوعات

“هرّاندو….و النجار ” خاطرة 5

الميزان / الدار البيضاء:بقلم د. أ.سعيد الناوي

almizan.ma

21/9/2021

نعى لي النعاة فريدا و قد بلغ من العمر أردله لولا أنه ظل شامخا صلبا مستقيما قويا وسيم المنظر و الملبس حتى لأنه يخيل إليك أنه ما كان نجارا!!
ليس الإسم فقط من يذهب عنه ريح النجارة و رائحة العود المفلوح أو الخام…
و ليس بياض البشرة و جمال المحيا من يدفع بك نحو الخطأ في تبويب الرجل و تحديد أي صنعة كانت يتعيش منها ..
بل مشيته و مسيره و وقوفه وأسلوب حديثه و بياض ثناياه وزين طلعته و ريح جوانبه ومنطقه و مع هذا و ذاك هيبة الرجل…
و مع ما حباه الله من جمال صنعته و خلقه كان متزوجا بسيدة هي أقرب إلى من كنا ننعته ب”هرّاتدو”…ذلك “العبيط” واسع الفم و الجوف و الكشح الذي يسب كل من يرآهُ أو يمر أمامه و يثفل على كل شيء ويلعن كل شيء…
غير أن الأمر يتعلق بأنثى لا تشبه الإناث طالما أن الأنثى رقة و دلال و ود و حسن منطق و حلو مبسم و لو لم تكن فاتنة..
و إلا فلا هي أنثى و لا هي أقرب حتى إلى أنثى البط بل إلى “هراندو” زملت و لو في صيغة المؤنث!!
كانت تختصمه دائما،
و تسبه دوما،
و نلعنه غالبا ،
و تقض مضجعه و كان ضجيج ما تقتفرفه يؤذي الجيران حتى ألفوا الأمر ، و إذا حدث و مرّت الليلة بدون سب و ضجيج و لعن، دلّ ذلك على أن “هراندو” مسافرة!!
و ياليتها سافرت إلى حيث سافر الأولون و السابقون و أقيم عليها اللحد و أطبقوه و أحكموا المنافذ و أقيم الليل و أكل الناس وترحموا و لو بصيغة النفاق وتخلص فريد من “عشماوي” البيت!!
لقد تساءل القوم عن السر في زواج البهيم مع العاقل و الحسن مع القييح و الملاك و الشيطان والصبح مع لهيب البركان و وداعة الليل مع “الكابوس”…و لكنهم ينتهون إلى القول أن القضاء غالب و القدر حاكم و إن البلاء في الأرض قد يصيب حتى من كان مع الملائكة في الأرض و أن الصبر على المصيبة يُدخل الجنة و أن الإمتحان في الدنيا أصناف و أنه باسم الله الرحمان الرحيم وأنه لا يصيب الإنسان إلا ما كتب الله له، و أنه لا راد لقضاء الله،
و أنه الوحوش قد حشرت ،
و أن الصبر على البلية مأجور ،
و أن الاستجابة لدعاء الجيران في زوجته أبطأت….!!
المهم أن كل رهط بجواب وتفسير مختلف إلا فريد..
لا يشكو و لا يشتكي و لا يتأفف ولا يضجر و لا يرد…
يقف كأنه الخيزران، و يمشي كأنه سلطان وسيم كأنه بدر التمام ، أنيق اللفظ و الملبس كأنه ما كان نجارا..
و لربما أن بعض الملائكة تشبه البشر إلا أن البشر يمرضون ويشيخون و يموتون و نُشيع جنائزهم و يورثون…
و كذلك فريد …
مرض و طلب من صهره و قد كان زوجا لابنته أن ياخذه إلى هناك..
حيث الطمأنينة و طيب القول والمقام و المنسم …
حتى إذا قضى..
سأل الجيران و هموا بأداء الواجب فاستعصى عليهم الحضور و صعب عليهم بلوغ المكان و تشييع الطيب من الناس و طافوا ثم طافوا ثم اهتدوا إلى بيت ابنته و صهره ظنا أنه مات عند ابنته فلم يجدوا له أثرا…
لقد مات…
مات عند زوجته الثانية حيث خير المتاع ، حسناء الدمن
و المنبت الحسن و المبسم الوضاح و الوجه الحسن و الروح و الرضى و النور و كل شيء جميل إقتبس أشياء و أشياء من الجنة…
فرضي القوم إلا أقله ، و تعجب القوم إلا بعضه ، و كان مني أن رضيت عنه و أرضيته و دعوت له بسعة القبر و نوره و باتساع النظر و طوله و حفاوة اللقاء و لطفه والجنة و نعيمها و الحبيب محمد و صحبته…
إن لم يكن على إسلامه و حسب فعلى أنه ترك “هراندو” يشيع الفساد بلسانه و يعتو في الأرض خرابا بوحشة طلعته و قبح طلعته و سواد عشرته….
فكان يحيا و يحيا و لسان حاله يقول “كم سأحيا لأسمم بعض أيام حياة تعدو و تمر مرور السحاب فلا شيء يستحق أن ترد عليه أو تتفاعل معه لاسيما إذا كان هراندو؟”
سعيد الناوي غفر الله له و تجاوز عنه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى