ارتفاع منسوب الجريمة بالمغرب …
اهتز الرأي العام الوطني خلال الآونة الأخيرة على وقع جرائم خطيرة لا يقوى القلب البشري السليم على تحمل بشاعتها وقذارتها، نظرا لما تحمله من طابع إجرامي تتجرد فيه ذات الجاني من أدنى درجات الشفقة والرحمة، بل ويصبح التلذذ بتعذيب الضحية ”إنجازا عظيما“ يستحق معه التوثيق والنشر، فما هي إذن الأسباب التي ساهمت في تنامي الجريمة بالمغرب وكيف أتاحت هذه الأسباب القيام بأفعال إجرامية قذرة دون الاكتراث لما قد تجنيه ضد الجاني من عقوبة سجنية؟
القاضي عبد الرزاق الجباري، الباحث في العلوم الجنائية وحقوق الإنسان كشف عن مسببات ارتفاع منسوب ظاهرة الجريمة بالمجتمع المغربي خلال الآونة الأخيرة في أربعة أمور كلية وجامعة .
السبب الأول:
يعود إلى تراجع مستوى التربية، قاصدا بها، مفهومها العام الموسع، وهو ما تنصلت منه كل المؤسسات الموكول إليها وضائف تربوية، وفشلت فيه، من قبيل: الأسرة، المدرسة، المسجد، الزاوية.
العامل الثاني:
ضعف انتقاء البرامج الواقية من الجريمة، حيث أن الاعتماد على المفهوم الضيق للسياسة الجنائية المتمثل في سن القوانين الجنائية فحسب، بدلا عن مفهومها الموسع الذي يقتضي مواكبة تطبيق وتنفيذ تلك القوانين بوضع جملة من البرامج والتدابير ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي .. إلخ، تستهدف القضاء، أو على الأقل، التقليل من مسببات الجريمة بمختلف أنواعها، وذلك للاحتراز المسبق منها.
وبالنسبة للعامل الثالث:
اكتظاظ السجون يعتبر أيضا من مسببات تنامي الجريمة بالمغرب، خصوصا في ظل فشل ” المؤسسات المذكورة أعلاه عن أداء وظيفتها التربوية، وتحجم الدولة عن تبني المفهوم العام للسياسة الجنائية، حيت يلجأ المجتمع، عبر آلية التشريع الجنائي المجسد للمفهوم الضيق لهذه الأخيرة، إلى تربية المنحرفين من خلال إصدار أحكام قضائية تقضي عليهم بالحبس أو السجن، حيث يعد السجن -نظريا- مؤسسة تربوية من الصنف الثاني، وهو ما لا يمكن تصوره عمليا البتة، وذلك بالنظر إلى الاكتظاظ الذي يحول دون الاضطلاع بتلك المهمة، مما أضحى معه وجوبا بناء مؤسسات سجنية، بقدر ما يبنى من المؤسسات التربوية الأخرى“.
أما العامل الرابع والأخير:
فيتجلى بتأثر القضاء باكتظاظ السجون :
”لا شك أن القضاء، بين الفينة والأخرى، يتأثر، من حيث يدري أو لا يدري، بواقع الاكتظاظ الذي تعيشه سجون المملكة، ويرنو إلى إصدار أحكام بعقوبات حبسية موقوفة التنفيذ، بدليل ارتفاع نسبة هذه الأحكام مقارنة بالأحكام القاضية بعقوبات نافذة، حيث تشكل الأولى أضعافا مضاعفة للثانية ؛ لدرجة أن كادت بعض القضايا، بالرغم من خطورة الأفعال موضوعها، عنوانا لإصدار أحكام بعقوبة حبسية موقوفة التنفيذ بمجرد تنازل الضحية أو المشتكي عن شكايته، وهو ما أفرز واقعا قانونيا غير طبيعي، طالما أن مرتكب الفعل الجرمي لم ينل ما يلائم شخصيته من تدابير عقابية شرعت لإصلاحه“.
وقد حان الوقت للتفكير جديا في ضاهرة التشرميل و حاملي السيوف والتصدي للجريمة بشتى انواعها.
زهار نورالدين