
almizan.ma
الحكمة السادسة عشرة
(كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الَّذِي أَظْهَرَ كُلَّ شَيءٍ! كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ بِكُلِّ شَيءٍ! كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ فِي كُلِّ شَيءٍ! كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِكُلِّ شَيءٍ! كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الظّاهِرُ قَبْلَ وُجودِ كُلِّ شَيءٍ! كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ! كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الواحِدُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ شَيءٌ! كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ! وكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَلولاهُ ما كانَ وُجودُ كُلِّ شَيءٍ! يا عَجَباً كَيْفَ يَظْهَرُ الوُجودُ في العَدَمِ! أَمْ كَيْفَ يَثْبُتُ الحادِثُ مَعَ مَنْ لَهُ وَصْفُ القِدَمِ !.)
تعريفات:
تَصَوَّرُ: تَصَوُّر: (اسم) جمع: تصوُّرات. وتَصَوَّرَ: (فعل) تصوَّرَ، يتصوَّر، تصوُّرًا، فهو مُتصوِّر، والمفعول مُتصوَّر.
تَخَيَّلَ، تَوَهَّمَ، استحضر صُورتَه في ذهنه، صَارَ لَهُ فِي ذِهْنِهِ صُورَةً وَشَكْلاً. لا يتَصوّره عقلٌ: لا يُصَدّق. والتَّصَوُّر. وشيء لا يمكن تصوُّره: مُستبعَد الحدوث .وعند المناطقة: إدراك المفرد: أي معنى الماهية من غير أن يحكم عليها ينفي أَو إِثبات.
حجب: يَحجُب، حَجْبًا وحِجابًا، فهو حاجِب، والمفعول مَحْجوب. وحَجَبَ الشيءَ وحَجَّبَه سَترَه.
ظَهَرَ: (فعل)، ظهَرَ على، ظهَرَ عن يَظهَر، ظُهُورًا، فهو ظاهِر، والمفعول مظهور – للمتعدِّي. ظهَر الشَّيءُ: بدا واتَّضح بعد خفاء، تبيَّن وجودُه.
العَدَمُ والعُدْمُ والعُدُمُ: فِقدان الشيءِ وذهابه. فهو نفي شيء من شأنه أن يُوجد، وهو ضدّ الوجود.
الحادِثُ: حادث: فاعل من حَدَثَ. ما يجدّ ويحْدُث. والحادث: ضدّ القديم. العالَم حادث: مخلوق.
القِدَمِ: الأزل ,خَلقَ اللهُ العَالَمَ مُنْذُ القِدَمِ : أَيْ مُنْذُ الأزَلِ ، والأَزَلِيُّ أو القديم هو ما لا أَوّل له.
لما علمت من الحكمة السابقة أن (مِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى وُجُودِ قَهْرِهِ سُبْحَانَهُ أَنْ حَجَبَكَ عَنْهُ بِمَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ مَعَهُ)، وأن الخلق يحجب بعضهم بعضا، وفي ذلك دليل على ظهور الحق بالحق على وجه العظمة والجلال بكل وجه وعلى كل حال. ولما استحال أن يكون الحق سبحانه حجابا أو محجوبا، جاءت حكمة اليوم بعشرة أدلة سيقت كلها بأسئلة استنكارية، حبكت على نسق واحد، صدرها استفهام (كيف يتصور أن يحجبه شيء؟) وعجزها متضمن للجواب. افتتحت ب (كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء). فهو الذي أظهر الأشياء من العدم فخصصها سُبْحَانَهُ بإرادته وأبرزها بقدرته وأتقنها بحكمته وتجلى فيها بعلمه. وهو (الظاهر والباطن) فما من ظاهر إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله ودونه، فاحتجابه في عالم الغيب في ظهوره. وظهوره في عالم الشهادة في بطونه. وبطونه في حياض الجبروت في ظهوره بأنوار الملكوت. فكيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي أظهر كل شيء سبحانه وتعالى. فيا عجباً كيف يعرف بالمعارف من به عرفت المعارف؟ (كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ بِكُلِّ شَيءٍ) فكل ما ظهر فمنه وإليه فكان في أزله ظاهراً بنفسه، إذ هو الغني بذاته عن أن يفتقر ليظهر بغيره أو يحتاج إلى من يعرفه. فالحق تعالى واحد في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله، فلا شيء قبله ولا شيء بعده، ولا شيء معه. و ” كيف يتصور أن يحجبه شيء وهو الذي ظهر في كل شيء” بقدرة باطنة وحكمة ظاهرة (إنا كل شيء خلقناه بقدر) فهو خلقه وصنعه، الدال على كمال صفاته وأسمائه اللازمة لذاته. تجلى ربنا سبحانه بإعجازه في خلق الكون بمحاسن أفعاله، وآثار جماله وجلاله، فكان مرآة لمعرفته. (إِن كُلُّ مَن في ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ إِلَّآ ءَاتِى ٱلرَّحْمَٰنِ عَبْدًا) فظهوره ظهور لقدرته وسلطانه من حيث الجلال والتعريف، لا من حيث الحلول والتكييف، إذ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). فهو (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) على الخلق، إذ هو المظهر له، وبه، وفيه، فلا يصح خفاؤه مع عموم قيوميته. بل (كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ لِكُلِّ شَيءٍ) إذ احتجب بذاته وتعرف إلى خلقه بآياته كل تعرف إليه على قدره (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) فقلب كبير وسع معرفة وعلمًا عظيمًا، وقلب صغير تعرف بحسبه، وقلوب مقصرة مدخولة (ما قدروا الله حق قدره). فِاللَّهمَّ لك الحمدُ أنْتَ قَيِّومُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ, فربنا سبحانه القائمُ بأُمورِ الخَلْقِ، ومُدبِّرُهم، ومُدبِّرُ العالَمِ في جَميعِ أحوالِه ( كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الظّاهِرُ قَبْلَ وُجودِ كُلِّ شَيءٍ). (وَرَبُّكَ ٱلْغَنِىُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ) غني عن كل عمل وعن كل عامل، وهو صاحب الرحمة الواسعة، والقدرة النافذة (كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الظّاهِرُ قَبْلَ وُجودِ كُلِّ شَيءٍ) واجب بذاته، وغيره وجد بإيجاده له (كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ). وكل الخلق مفتقر إليه وجودا وعدما (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله) .ربك تصمدُ إليه وحده الخلائق في حاجاتها، ترجوه وتسأله وتضرع إليه ( قل هو الله أحد، الله الصمد) (فكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ الواحِدُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ شَيءٌ) نفذ قضائه بالسبق لكل الخلق (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قريب منك، مطلع على سرك، (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون) حائل بينك وقلبك (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه ( فكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْكَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ . ومن مظاهر جلاله وجبروته ، وجماله وجلاله كونه (هو الأول والآخر والظاهر والباطن) فما من أول إلا والله قبله (اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (فكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَحْجُبَهُ شَيءٌ وَلولاهُ ما كانَ وُجودُ كُلِّ شَيءٍ), خلق الإنسان من قبل ولم يك شيئا ( هَلْ أَتَى عَلَى الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورً)، نعم أتى عليه وعلى كل مخلوق زمن كان فيه معدوما ( فيا عَجَباً كَيْفَ يَظْهَرُ الوُجودُ في العَدَمِ) ، ناداك سبحانه أن تقبل على الحياة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) فكيف يصح احتجابه بعدم (أَمْ كَيْفَ يَثْبُتُ الحادِثُ مَعَ مَنْ لَهُ وَصْفُ القِدَمِ ).