كتاب الراىمنوعات

“ربيعة” / خاطرة

الميزان/ الدار البيضاء : د. سعيد الناوي

almizan.ma

20/3/2023
لا أعلم سبب تذكري لتلك “السيدة”؛عفوا زميلتي في الصف الثالث ابتدائي و قد مر على ذلك المشهد أكثر من سبعة و أربعين عاما….
رأيتها تجلس في المقعد الخاص بالاستاذ المعلم ، و المعلم واقف يتبسم فرحان” بربيعة “و “لربيعة”…
و بين يديها بعض الأوراق التي لم أتبين مضمونها و لا لمن تعود و ما فيها… المهم أن ربيعة “patron” في الصف ، و المعلم مستأنس بها، و أنا أسأل نفسي متى وقع التعارف بين “ربيعة ” و الأستاذ و من كان سبب التعارف و متى ؟
لقد ولجنا معا و لم يمض زمن بعيد على دخول التلاميذ الصف الثالث، و لهذا فهذا امر دبر بليل، أو أن هناك سابق معرفة بين والد التلميذة و الأستاذ ، أو أن “ربيعة” تلميذة “قديمة ” ممن عمّر الأقسام التحضيرية بسبب التكرار، و لهذا السبب كبرت و أينعت و صارت تبدو شابة بدلا من مجرد تلميذة و لهذا كانت مختلفة عن باقي التلاميذ و التلميذات حديثي العمر ممن يقال لهم “الحبيصين” أي الصغار جدا ،قامة و عمرا ، فكان الجميع بخلاف “ربيعة” التي لو تزوجت في حينها ، لأنجبت!!
و عليه ،لابد من أمرين: فإما أن هناك سابق تدخل من أهل” ربيعة ” ، أو أن “ربيعة” من قدماء التلاميذ.
و في كلا الحالتين فحظ ربيعة ليس كحظي ، أنا الذي لا أعرف أين أنا ؛ فكيف لي أن أعرف أين المعلم و كيف أسطو على مقعده!!؟
كان المسطو على مقعده عظيم الرأس و البطن ؛ و كان مع بطنه المنفخ و وجهه الأحمر المورد و رأسه الضخم أنيقا في زمنه… لربما أن لحمرة وجهه علاقة بالنبيذ الأحمر ، و ربما أن لطلاقته و ابتسامته علاقة بالنبيذ لانه ما عرفناه فظا و لا جافا و إن كان يميل إلى “ربيعة”؟!
الأهم أن ربيعة و الأستاذ و سلطتها على القسم لا تضايقني.. فإن تسألي عني ، ففي حلقة القوم تلقاني ،
و إن تقتنصني مع الأشاوس، تصطدي…! و الانسان الواثق من نفسه و مؤهلاته خير ممن لا يثق فيها, و لعله يمقتها لو رأى ماذا تفعل ربيعة بالأستاذ!؟
و كيف تتجرأ عليه و هو مبتسم ، و من خلاله على الجميع إلا عبد ربه؛
و لربما لأنها أعقل منا جميعا و تعرف من أين تؤكل الكتف؛ و من مصلحتها أن تتفادى عبد ربه الذي لربما مكتوب على كفه الأيمن “إذا زلزلت الأرض زلزالها”، و مع نفحات “إمكانية القربلة الهادئة” ، كان دارسا، سابقا لعصره و لأقرانه و “لربيعة” بالتحديد!!
فلا هو مستند على أب يدعمه، و لا على أم ترابض أمام المدرسة ، و لا على أخ أكبر و لا على سابق معرفة بالأستاذ ، و لا على قدم و تكرار للأقسام ،و ليس” ربيعة ” تسطو على مقعد المعلم فيتبسم لها.
و لهذا لا و لم أهتم لموضوع ربيعة و حظوتها و لا لسلوك معلمي الذي كان عادلا في أمر ٱخر ،بأنه لا يبخس قدر المجتهدين و لو لم يكونوا ‘ربيعة “، و لهذا فامر ربيعة و الأستاذ لن يؤثر إلا على مصالح الكسالى الذين يتمنون أن تتزوج ربيعة و يخلو القسم منها أو أن تدهسها سيارة جر العربات العطلى ، أو أن ينهشها كلب ‘العساس” أو تقع عليها داهية من دواهي الخيال الشعبي ، أما أنا فلن ادعو عليها لأنني كنت من المجتهدين ، و لا أخفي أنني كنت أسلم لها بالسلطة بقلب أبيض حليب لانها كانت جميلة في عمر التلميذات و تستحق ؟!
و لولا حسنها ، و اتقاؤها لزلزلتي، لكان لي معها أمر آخر ، فتحمد هي الله على تقواها ، و أنا أحمد آلله لأن لي حظوة عند نفس المعلم ، و قد اختلف السبب في كلينا و لا يهم …
فإذا لم تأت “بربيعة” و البهاء، أتت بالإجتهاد و التفوق، و مالي أن أنازع “ربيعة “في بركتها و تربعها على مقعد المعلم ، و قد ملأت جوانبه و كانت احد أسباب سعادة المعلم و لولاها لعصف بنا جميعا، و القسم كله قبضته و بيده الحل و العقد ،
و الوجه احمر ،
و الرأس عظيمة،
و البطن منتفخ،
و كل في القسم سعيد حتى الكسالى منهم
كل هذا تذكرته بعد أعوام و أعوام،
و كان لهذا سبب.. فلا عيب في أن يتم تقديم” ربيعة” البارحة و اليوم و حتى غدا، لأنها من الأقدار و القضاء و الحظ و هذا جزء من الحياة التي تقبل التسللl’hors jeux…
و إنما المأمول أن يتم تقريب المجتهدين..
و المقبول أن يتلاقى المجتهد مع “ربيعة ” فتهدأ نفسه ؛ ولا ييأس المحتهدون و لا ينقمون من غيرهم ، لأنهم قد بلغوا..
و لكن إذا خسف بالمجتهد و جيء “بربيعة” فتلك مظلمة و هي من الشوم… فبنادي ملاك من السماء ان تسلل “ربيعة” قلبناه ، فأين المجتهدون!؟
لربما أن لا أحد يسمع هذا الملاك.. و لكنه يسمع غير الملائكة تنادي الملائكة أن يا ليت لنا كحظ “ربيعة “.
لقد كبرنا و كبرت بلا شك ربيعة،
و مع ذلك ننتظر أن نقترب لكوننا مجتهدون حسبما قيل لنا ، و قد تأكد لدى الغالب من الخلق أن الإجتهاد ليس كافيا وحده…بل لابد من شيء إسمه ” ربيعة”

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى