الفقه والشريعةقضايا المجتمعمنوعات

*”..وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ”*

الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف

almizan.ma

*”..وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ”*
الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف
ما العيد إلا ابتسامةٌ تتسابق إلى الوجوه، وأملٌ يتجدد في الأرواح، ومصافحةٌ تُزيل ما كان بين القلوب من بعدٍ وجفاء، إنه الزمن الذي يُعيد ترتيب المشاعر، ويبعث الفرح من أعماق الأيام التي تكدست بالمشاغل، فيأتي كغيثٍ يُبلل جفاف العلاقات، وكضوءٍ يُشرق بعد ليالٍ طويلة من الانشغال، وفي رحاب العيد، حين تبتسم السماء، وتُزهر الأرض بأقدام المصلّين، وتضجّ الأرواح بنداء: *”الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد”*، تشعر أن القلوب قد عادت إلى طهرها، وأن الزمن نفسه قد توقّف لحظة إجلال، ينظر بعين الرضا إلى يعظم شعائر الله، “ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقۡوَى ٱلۡقُلُوبِ(32)” (سورة الحَج)، حين يُقال: “من العايدين ومن الفايزين”، لا يكون ذلك مجرد تهنئةٍ تُقال على الألسنة، بل هو رجاءٌ أن يكون العيد ليس فقط عودة للأيام، بل عودة للروح بصفائها، وللقلب بنقائه، وللنفس بطمأنينتها؛ فالعيد يا سيدي، ليس ثوبًا جديدًا ولا زينة تُعلّق على جدران البيوت، بل هو زينة الروح حين تُغسل بالدموع، وتُطهّر بالصلاة، وتُجلّى بالدعاء؛ فالعيد ليس لمن لبس الجديد، بل لمن عاد إلى الله بقلب وليد، *ومن العايدين ومن الفايزين*، كلمة لا تُقال تحيةً فقط، بل دعاءٌ خفيٌّ أن تكون من الذين عافاهم الله من الذنوب كما يُعافى الجسد من الألم، ومن الذين نالوا نصيبهم من المغفرة، فخرجوا كما يولد الإنسان من رحم الطهر، بلا خطيئة ولا قيد، وكم من إنسانٍ يستقبل العيد وليس له فيه فرحة، لأن الحزن أثقل روحه، أو لأن الأيام سرقته من لحظات السعادة؟ لكن العيد، بحكمته العميقة، يطرق الأبواب ليُذكر الجميع بأن الفرح حقٌ لا ينبغي أن يُنسى، وبأن القلوب مهما حملت من أثقال، لا بد أن تجد لحظة تُخفف فيها الحمل، وتتنفس فيها بعمق، كما تتنفس الأرض حين يُقبل عليها المطر؛ فالعيد هو لقاءٌ مع الأمل، هو فرصةٌ لأن يُغفر ما مضى، وأن يُفتح بابٌ جديدٌ للمودة، وأن يدرك الإنسان أن الفرح ليس هديةً تُمنح له، بل قرارٌ يتخذه ليعيش بطمأنينة، وإن أجمل ما يهدى في العيد هو القلب، قلب صافٍ، نقيّ، لا يحمل حقدًا، ولا يُخبئ بغضاء، يمدّ يده للمصافحة قبل أن يُطالب بالاعتذار، يبتسم في وجه من خاصمه لأنه يدرك أن الحياة أقصر من أن تُقضى في قطيعة؛ فلنكن من الفائزين بحق، لا من العابرين على أبواب الفضل دون أن يدخلوا، وليكن عيدنا عودة صادقة إلى الله، وإلى أنفسنا، وإلى من حولنا؛ فالعيد الحقيقي، هو أن تُدرك أنك ما زلت تملك فرصة للبدء من جديد؛ فيا من تستقبل العيد، لا تجعله يمرّ كأنه مجرد يومٍ آخر، بل اجعله فرصةً لتكون من العايدين، لا بأيامك فقط، بل بقلبك، ومن الفائزين، لا بأفراح الدنيا فقط، بل برضا الله، فإن من عرف المعنى الحقيقي للعيد، أدرك أنه ليس زمنًا يُؤرخ، بل روحٌ تُبعث، وسعادةٌ لا تُشترى، بل تُصنع بصدق المشاعر، وهل هناك عيدٌ أعظم من أن يكون الإنسان سعيدًا بصدق، فيرضى قلبه، ويشرق وجهه، ويشعر أن هذا اليوم ليس مجرد يوم، بل بدايةٌ لحياةٍ أكثر سلامًا؟
*كل عام وأنتم بخير، ومن العايدين ومن الفايزين*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى