خطاب العرش 2025: الملك يرسم خارطة طريق جديدة لتنمية المغرب وترسيخ الاستقرار
الميزان/ الدار البيضاء : بقلم محمد ازوين
في خطاب سامٍ يحمل في طياته رسائل سياسية واقتصادية واجتماعية بليغة، وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، كلمته إلى الأمة بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد. خطاب هذه السنة لم يكن احتفالياً بقدر ما كان لحظة لتجديد الالتزام بالمسار الإصلاحي، وإعلان الانطلاق نحو مرحلة جديدة من الإنصاف المجالي، والاستقرار السياسي، والانفتاح الإقليمي.
* من تشخيص الفوارق إلى إعلان التحول المجالي..
استهل جلالة الملك خطابه بدعوة واضحة إلى إحداث “نقلة حقيقية” في التنمية، من خلال الانتقال من المقاربات الاجتماعية الكلاسيكية إلى ما وصفه بـ”التنمية المجالية المندمجة”. هذا التحول المفاهيمي يعكس رغبة ملكية قوية في إعادة بناء النموذج التنموي من القاعدة، عبر تمكين الجهات من أدوات الفعل، وتثمين خصوصياتها الاقتصادية والاجتماعية.
دعوة الملك للحكومة لاعتماد جيل جديد من البرامج الترابية لا تنفصل عن الرؤية الاستراتيجية للجهوية المتقدمة، بل تأتي كخطوة عملية لتفعيلها. فقد حدد جلالته أربع أولويات ملموسة: دعم التشغيل، تعزيز الخدمات الاجتماعية، تدبير الموارد المائية، والتأهيل الترابي المندمج.
* انتخابات 2026: الملك يؤكد على الشرعية والمسؤولية
ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المرتقبة، شدد جلالة الملك على ضرورة توفير الإطار القانوني والمؤسساتي المؤطر لها قبل نهاية السنة الجارية. الدعوة جاءت محملة برسائل واضحة: احترام الأجندة الدستورية، وضمان الشفافية، والإعداد الجيد عبر مشاورات سياسية مسؤولة.
هذا التأكيد الملكي يعيد ترتيب الأولويات أمام الفاعلين السياسيين، ويرسم سقفاً زمنياً صارماً أمام الحكومة ووزارة الداخلية، استعداداً لاستحقاقات يرى فيها كثير من المتتبعين فرصة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات المنتخبة.
* انفتاح إقليمي بلغة الأخوة والمصير المشترك
الشق الإقليمي من الخطاب كان لافتاً بامتياز، خاصة في ما يتعلق بعلاقة المغرب مع الجزائر. فقد جدّد الملك محمد السادس التأكيد على ثبات موقفه تجاه الشعب الجزائري الشقيق، داعياً إلى حوار صريح ومسؤول، تتجاوز فيه البلدين “الوضع المؤسف” الراهن.
الملك لم يتحدث فقط بلغة السياسة، بل استحضر الروابط التاريخية والإنسانية والدينية التي تجمع الشعبين، في موقف يعزز صورة المغرب كدولة تسعى إلى الاستقرار لا التصعيد، وإلى بناء مغرب عربي موحد لا منقسم.
* ملف الصحراء: دبلوماسية هادئة تحصد الدعم الدولي
في خضم تجاذبات ملف الصحراء المغربية، أعرب جلالة الملك عن اعتزازه بتزايد الدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي، مشيداً بموقفي المملكة المتحدة والبرتغال، الداعمين لسيادة المغرب على صحرائه.
غير أن الرسالة الأقوى جاءت في تأكيد الملك على الرغبة في حل توافقي “لا غالب فيه ولا مغلوب”، ما يعكس مقاربة مرنة لكنها ثابتة، تجمع بين الدفاع عن السيادة الوطنية والانفتاح على الحلول الواقعية تحت مظلة الأمم المتحدة.
* إشادة بالمؤسسات الوطنية وتحية لشهداء الوطن..
كعادته، خصّ جلالة الملك مختلف مكونات القوات المسلحة والأجهزة الأمنية والإدارية بتحية إشادة وتقدير، مؤكداً على دورها الحيوي في حماية وحدة الوطن واستقراره. كما لم يفته استحضار أرواح الملوك الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، في لحظة رمزية تستحضر مسار الدولة واستمراريتها.
# قراءة في العمق: خطاب ما بعد النموذج التنموي
يُعد خطاب العرش لهذه السنة تجسيداً عملياً للرؤية الملكية التي انبثقت بعد تقديم تقرير لجنة النموذج التنموي. إذ يضع المواطن، في جميع المناطق والجهات، في صلب العملية التنموية، ويطالب بمقاربات تنطلق من الواقع الترابي لا من المركز.
من جهة أخرى، يمثل الخطاب توجيهاً سياسياً صريحاً إلى مؤسسات الدولة، للتحضير الجيد للمسار الانتخابي المقبل، وضمان استقرار المسار الديمقراطي في البلاد. كما يحمل الخطاب رسائل إلى الشركاء الإقليميين والدوليين، تؤكد التزام المغرب بالسلم والتعاون والحلول الواقعية.
# في الختام: من خطاب العرش إلى أجندة الإصلاح
إن خطاب العرش لهذا العام لا يكتفي بوصف التحديات، بل يقدّم حلولاً مؤسساتية واستراتيجية قابلة للتنزيل، إذا ما توفر الانخراط السياسي والالتزام التنفيذي من قبل الفاعلين الحكوميين والجهويين.
فمن خلال دعوته إلى جهوية متقدمة فعّالة، وتحضير شفاف للاستحقاقات، وتمسك بثوابت الدبلوماسية الهادئة، يرسم الملك محمد السادس معالم مرحلة جديدة، تزاوج بين الإنصاف المجالي، والتوازن السياسي، والتأثير الدولي.
ويبقى الرهان الأكبر: أن تنتقل هذه الرؤية من الخطاب إلى أرض الواقع، ومن التوجيه إلى التنزيل، حتى يلمسها المواطن المغربي في حياته اليومية، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب.