التعليم العتيق بالمغرب.. من المقاومة الفكرية إلى هزّات المدرسة العصرية
الميزان/ محمد الراجي هسبريس

almizan.ma
مازال التعليم العتيق يحتل مكانة خاصة ضمن المنظومة التربوية في المغرب، رغم التطور الذي لحق هذه الأخيرة، وتوجه المغاربة نحو تدريس بناتهم وأبنائهم في مؤسسات التعليم العصري؛ ليجسد بذلك التعليم العتيق جسرا يربط بين مغرب الأمس ومغرب اليوم.
في ورقة نُشرت في العدد الأخير من مجلة “الثقافة المغربية”، الصادرة عن وزارة الثقافة والشباب والتواصل-قطاع الثقافة، يعود الباحث المغربي أحمد كوال إلى بدايات نشوء المدارس العتيقة في المغرب، والأدوار التي لعبتها على الصعيد التربوي، وعلى صعيد المقاومة الفكرية.
يستهل الباحث ورقته بتوطئة أشار فيها إلى أن نظام التربية والتعليم تعرض لهزة كبرى اعترته مع دخول الحماية، رغم أن التعليم الأصيل ظل يستعمل عددا من الكتب والمدونات والرسائل الفقهية التي ترجع إلى العهد المريني والوطاسي، كما أنها مازالت تطبع تنشئة التلاميذ، أو المحاضرية، كما تسمى قديما، في المدارس العتيقة اليوم.
ولئن كانت المدارس العتيقة إرثا دينيا ممتدا وماثلا في الوعي الجمعي فإن حضورها تأرجح بين القوة تارة والخفوت تارة أخرى، بسبب سيادة وهيمنة مؤسسات أخرى مغايرة وطارئة نتيجة تدخل خارجي؛ غير أنها ظلت في طليعة المقاومة الفكرية والسياسية لمحاولات السيطرة العنيفة الوافدة.
وإذا كان التعليم العتيق واجهة للمقاومة الفكرية فإن المدرسة العصرية مهّدت الطريق لتدخل وسيطرة النظام التربوي الأجنبي في المغرب، ليس فقط لكون المدرسة العصرية “واجهة ليّنة وسلمية”، وما حققه الغرب من تطور على مستوى المناهج التعليمية، وإنما أيضا لكون التعليم العتيق “كان نظاما تعليميا عتيقا جامدا، يعتقد المشرفون عليه أن علوم الشريعة غايتها القصوى هي محاربة الإلحاد والبدع لإعداد ناشئة تساهم في نمو المجتمع ورقيّه”.
وأدى الغزو الأوروبي للبلدان العربية والإسلامية إلى بروز نمطين تعليميين مختلفين، نمط عصري حي، ونمط وصفه الباحث بـ”المتهالك الذي يستند إلى حفظ المتون والمدونات والأراجيز والمختصرات، ولا يولي اهتماما للعلوم البحتة، من رياضيات ومنطق وعلوم طبيعية…”.
وخلص كوال إلى أن المدارس العتيقة التي يعود تاريخ نشأتها في المغرب إلى عهد المرينيين والوطاسيين “كانت عبارة عن جزر منعزلة عما يجري في المجتمع المغربي من تحول، وبقيت منغلقة على نفسها في منأى عن التفكير في إعادة النظر في طريقة تدريسها، ولم تكلف نفسها الانفتاح على النظريات التي عرفها الغرب الأوروبي”.