في زمن كورونا.. التباعد الاجتماعي يعضد الروابط الأسرية

الحجر الصحي، والتباعد الاجتماعي، وحالة الطوارئ الصحية، والعزل … كلها تدابير تروم الحد من انتشار وباء كورونا. وفي انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة من تطورات بشأن هذا الفيروس، يضطر أكثر من 3,7 مليار شخص حول العالم إلى المكوث في منازلهم كإجراء وقائي لمنع تفشي هذا الوباء .وبخصوص الحجر الصحي الذي أضحى أمرا لا محيد عنه في الفترة الراهنة، يؤكد عالم الاجتماع، علي شعباني، أنه من الضروري النظر إليه من منظور إيجابي » إنها مسألة وقت لا غير، حيث يتعلق الأمر بإجراء صحي إيجابي يصب في مصلحتنا جميعا، ويتغيى الحد من انتقال الوباء إلى أحبائنا وأقربائنا، لاسيما إلى فئة من الناس تعد الأكثر عرضة لخطر الإصابة بهذا الفيروس ».
وأكد السيد شعباني، على أن الأمر يتعلق بحجر صحي مؤقت يمليه الانتشار السريع ل(كوفيد-19)، مشيرا إلى أن » الأوضاع ستعود إلى سابق حالها وسنستأنف حياتنا الطبيعية « .
وتابع أن العلاقات العائلية « صلة الرحم » اتخذت أشكالا جديدة، من خلال استخدام تقنيات التواصل الحديثة، موضحا أنه « يمكن لأي شخص الإطلاع على أحوال عائلته عبر تقنية الفيديو أو الصوت دون الحاجة للتنقل (…) إنه شكل جديد من أشكال الأواصر العائلية ».
وقال السيد شعباني إن هذه الظرفية عززت الروابط الأسرية، حيث يكون الجميع في العادة منهمكين في المشاغل اليومية، مضيفا أن الحاجة إلى السؤال عن الجيران والأصدقاء المقربين وحتى زملاء العمل أمر طبيعي.
وأشار عالم الاجتماع، في معرض حديثه عن المبادرات الإيجابية خلال هذه الفترة، إلى أن » هذا الحجر الصحي يعد بمثابة درس في الحياة يدفعنا » للتساؤل « ومراجعة ممارساتنا وسلوكياتنا. وسيكون بوسعنا الحديث عن » الوضع ما قبل كورونا وما بعدها « ، مبرزا أن أعمال التضامن والمساهمة في الحد من تداعيات هذه الجائحة عززت التماسك الاجتماعي.
من جانبها، تقول سناء، وهي شابة تعيش بمفردها ولا تستطيع الانضمام إلى والديها » بمجرد انتهاء فترة الحجر الصحي، سيعود كل شيء إلى طبيعته (..) لدي رغبة وحيدة وهي العودة إلى حضن والداي »، مشيرة إلى أنه لحسن الحظ، فإن تقنيات التواصل الاجتماعي تمكنها من التواصل مع أبويها كل ليلة باستعمال تقنية الفيديو والاطلاع على أحوالهما.
أما أمل، أخصائية الرعاية الصحية، فلا تجد الوقت الكافي للتحدث مع والديها، إذ أنها تعاني من الإجهاد اليومي الذي ينجم عن العمل في المؤسسات الصحية خلال الظرفية الراهنة. وتفضل بدلا عن ذلك إرسال مقاطع صوتية عبر شبكات التواصل الاجتماعي عندما تجد متسعا من الوقت أثناء فترة الراحة.
تقول أمل « أرسل مقطعا صوتيا واحدا خلال اليوم، بإيجاز ودون تفاصيل. وأتجنب الحديث عن الفيروس ». كما تفضل هذه الأم الشابة عدم الحديث عن مستجدات الوباء بعد عودتها إلى المنزل.
تعد فترة الحجر الصحي مناسبة لتوطيد الروابط الأسرية. تقول ليلى « لقد أجبرتنا اللحظات التي نمر بها حاليا على مراجعة دينامية علاقاتنا »، مردفة، « سواء في علاقتنا مع أقاربنا أو مع أصدقائنا، لم يعد هاجسنا مجرد رؤية بعضنا البعض ،بل الاطمئنان على صحتهم كذلك « .
وأضافت « يتصل بي والداي في الصباح للاطمئنان على أحوالي وصحتي، بينما أبادر إلى الاتصال بهما في المساء للقيام بنفس الشيء، وقد كنا في السابق نكتفي بمكالمتين أو ثلاث في الأسبوع « .
وبالرغم من الوضعية الحالية، لم تغير نجاة عادتها بالتواصل مع عائلتها التي تسكن على بعد 600 كيلومتر. وأوضحت « ما زلت أتبع نفس الوتيرة، غير أن حالة الحجر الصحي زادت من قلقي وخوفي على والداي لأنهما مصابان بأمراض مزمنة « .
وأعقبت » أتصل بأخي الصغير أحيانا عبر تقنية الصوت أو الفيديو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي لأخبره بما ينبغي فعله إذا ما كان على اتصال مباشر بوالدينا « ، لافتة إلى أن الاتصال مع إخوانها المغتربين لم يطله أي تغيير، لكن أصبح هناك اهتمام بتفاصيل أكثر حول الحياة اليومية في ظل الحجر الصحي.
في حين يرى أسامة، مهندس علوم الحاسوب، أن هذا الحجر الصحي يوضح بجلاء أن « الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، حيث يلجأ إلى الأسرة عندما يحرم من الحياة الاجتماعية ».
وأضاف الرجل الأربعيني، « منذ دخول الحجر الصحي حيز التنفيذ، أتصل بأخي وأختي على الساعة التاسعة من مساء كل يوم للحديث معهما عبر مكالمات الفيديو ، وهو شيء لم أعتد على فعله من قبل ».
وعلى صعيد آخر، أكد السيد شعباني أن الحجر الصحي يعد فرصة لإعطاء الأولوية للوقاية والتغذية الجيدة والنظافة، مبرزا أنه خوفا من الإصابة بفيروس (كوفيد-19)، » أجبرنا جميعا على اتباع أسلوب حياة جديد يصحح العديد من السلوكيات الخاطئة ».
فدوى الغازي ماب متابعة نجوم بريس