القانــون

شكرا كورونا

((ولا يفعل ربك إلا خيرا)) هكذا لطمتني أمواج عبارات الفجر البهيج ، في زمن الحجر الصحي، الذي لم يستوعبه الكثير ، فرب ضارة نافعة ، فقد تعلمنا الكثير والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول : (( من لايشكر الناس لايشكر الله)) ، ((وأما بنعمة ربك فحدث)).. نعم : أقولها جِهارا.. شكرا كورونا.. فقد أزحتِ اللّثام عن فعلِ اللّئام ، وكشفتِ بجلاءٍ دنائةَ الأخلاق، وأسفرتِ عن جهل الجهال ، وغباوة الجبناء..
شكرا كورونا فقد حجبت عنا تحيةَ وسلامَ النّفاق وقُبلات النفاق والشقاق، فقد كنا قبلك نُقبّل أربعا والنّفاق بادٍ في الأعين.. وقبلك كنا نُعانَقُ ونُظَمُّ إلى صدورٍ الموغلين والحاسدين والحاقدين بنفاقٍ مجتمعيٍّ لا يسلم منه إلا القليل القليل.. وقبلك ياكورونا كنا نقاسم الآخرين نِفاقهم وبُغضهم ونَتَانَةَ أجسادِهم قَهرا ودون أن ننبس ببنتِ شفا ، ومنهم من يُقاسمكَ سيجارته وأنت كاره لدخانها، وكثيرٌ منهم من يُلصقك عِطرَهُ النّتن لحرارة ضَمّهِ واحتكاكِهِ وإلصاقه الوجه بك..
نعم : تعلمنا مِنك أنّ التحية بالسلام لفظاً تعني وتعني الكثير، وأنّ المسافة بين النفاق والشقاق والبغض والحسد مُجَاوزٌ المِتر والمترين لِزاما، وأنّ المحبّةَ القلبية يشعر بها المؤمن دونَ ضَمٍّ أو قُبَلٍ.. نعم علمتنا كورونا ألا نُصافح، وكأنها تقول بلسان الحال فِقها إنَّ بيوعَ الصَّفقة التي اعتمدها الفقه الإسلامي صارت باطلة لأن أخلاق العباد تدنت وشابها التدليس و النفاق والشقاق وصار أغلبها زورا وبهتانا، ولم يسلم من.. إلا من رحم ربك وسط مجتمع حَطّهُ المَكرُ من مكانٍ سَحيق.. شكرا كورونا فقد تعلمنا أن نحبس ـ وإن صح التعبير ـ أن نُحبس في بيوتنا، نسمع من حولنا، ونفهم كيف تُساس الأمور في مملكة الأسرة التي نَخَرَها الإعلام الهادف بأفلامه المدبلجة الطويلة طول الحجر الصحي وبرامجه المدوية في أعماق الجاهلية الوثقى، لا تسمع فيها إلا لاغية، ولا ترى منها إلا سوء الناظرة…
هيهات هيهات لما توعدون، وليَسعك بيتك ، عبارةٌ مدويةٌ لن يفهمها إلا من أسّسَ لبنيانه على تقوى من الله.. علمتنا كورونا أن نتتبع الأخبار و علمتنا ألا نثق في كثرة ما ينشر فقد زادت من حجم الإعلاميين وكثرة الصحفيين، وكل صُحفي في اللغة صار على نهجها ملتزما دلالتها، لا يحيد عن المعنى اللغوي إلا القليل و قليل ماهم… تتبعنا أخبار الجميع في زمنك ياكورونا، وأغفلنا أخبار الحمقى والمغفلين لندرج فيه أهوالك ونكتب تديلا على ماكتبه ابن الجوزي وجمع فيه من درر الأخبار… صارت الغباوة فينا منهجا لم نعرفه إلا بك ياكورونا، فقد أخرست زمن التفاهة وأسكتت تبجح أصحاب الأوسمة والنياشين ، وأعدت لأهل الفضل مكانتهم، لجأوا في زمنك للأطباء والعلماء والأساتذة وصار لصوت من خَفَتَ صوته زمنا رنينا… هدّمت كلّ التّفاهات و أحققت الحق في زمن الحجر الضروري، فقد أدرك المجتمع أن من تشدقوا في فترة وتبجحوا جهارا بأنهم يمثلون المجتمع المدني وأن همهم المصلحة العامة قد لزموا جحورهم وغابو عن ساحة القتال.. هذه فرصتنا لنصالح أنفسنا ونصالح الزمن من أجلنا، وكثير منا من خشي الموت ونسي أن (( كل نفس ذائقة الموت)) فالموت قادم لا محالة.. فأبو الطيب المتنبي ينادي:
من لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحد
فهذا بلاء سينقضي لامحالة فهذه سنة الله في خلقه، والناجي منا من فهم الرسالة وسارع إلى طرق باب التوبة وأعاد ترتيب أوراق حياته ونظر حوله فأيقن أن النجاة لا تعني الجاه أوالثراء أو البذخ و الكراسي، حتى الدول المتقدمة تبرأت من مواطنيها ولزمت دائرتها..
إن الفرصة سانحة لأن ننجو بطرق باب المناجاة للحيّ الذي لا يموت فالإجابة تأتي من حكيم عليم ((وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي و ليومنوا بي لعلهم يرشدون)) صدق الله العظيم.
كتبه فجر يوم فاتح أبريل 2020م د : عبدالجليل جودات أبوالطيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى