القانــون

في ذكرى غزوة بدر الكبرى حدث عظيم في شهر رمضان وبداية لانتصارات المسلمين .. مناسبة لتجديد الرؤية للسيرة النبوية

شكل انتصار المسلمين في غزوة بدر الكبرى فاتحة الانتصارات في شهر رمضان؛ شهر الفتوحات والانتصارات والخيرات والتمكين. فإن ما في رمضان من القيم الإيمانية والمعاني السامية لمن شأنه أن يضيف للمسلمين صبر لا ينقطع وعزيمة لا تنفد وإقداماً لا حدود له. وما إن تذكر الأحداث المهمة في تاريخ المسلمين والتي حدثت في رمضان؛ فإن أول ما يحضر في بال كل مسلم غزوة بدر الكبرى التي انتصر فيها المسلمون بقيادة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على جحافل الكفر وصناديد الباطل من قريش.

تحل اليوم ذكرى غزوة بدر الكبرى، معركة الحق ضد الباطل، والنور ضد الظلمات، فكان النصر للحق وللنور.ففي يوم السابع عشر من رمضان الكريم، خاض المسلمون وهم فئة قليلة، معركة كبرى ضد جيش كفار قريش، فكانت الغلبة والنصرة للمسلمين.. فماهي العبر والعظات، التي يمكن استخلاصها من هذه الغزوة؟ وكيف تدعونا هذه الذكرى إلى تجديد الرؤية لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وخلال هذا الحوار المقتضب مع الدكتور رضوان رشدي، حاولنا أن نسلط الضوء على هذه البقعة المضيئة والمشرفة في تاريخ الإسلام..

غزوة بدر وسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم

الاهتمام بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مسألة ضرورية، لأنها توضح بجلاء فقه التنزيل وكيف تم تجسيد النص القرآني واقعا، فضلا عن معرفة المنهج التغييري الذي قاده النبي صلى الله عليه وسلم لاسيما وإنه عليه السلام لم يكن قابعا في التجريد والوعظ والتغيير النفسي بقدر ما كان متحركا في الواقع وتشعباته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

لم يثبت عليه السلام أنه خاض حروبا عقدية مبنية على التفييء والاختيار التصوري للإنسان، كالذي ادعى أن حروبه كانت ضد كفار أو ما شاكل، بل إن فتح مكة وغيرها من الغزوات إنما كان نصرة لقبائل وثنية عابدة للأصنام، مما يدل على أن حروب النبي إنما كانت بدافع قيمي أخلاقي.

ثم إن سلطته عليه السلام لم تكن مبنية على اقتطاع أراض وإعلان الإمارة فيها، كما دأب على ذلك أمراء العنف، لاسيما وإن الأرض التي اقتطعوها ليعلنوا فيها تآمرهم لم تكن في الحسبان النبوي أو فعله في الأرض، فهو عليه السلام كان متوجها إلى تغيير الإنسان أولا وأخيرا بمعزل عن الأرض أو التصور أو العرق أو الجاه أو باقي معايير التفاوت الإنساني.

استرداد أموال المظلومين من المهاجرين

معركة بدر توضح حقيقة المنهج النبوي الذي سار عليه النبي (عليه السلام) في جل تحركاته، فهو مبني أولا على الدافع القيمي الذي أشرنا إليه سابقا وهو أن الاستيلاء على قافلة أبي سفيان إنما كان إرجاعا لجزء مما تركه المهاجرون من مال في مكة، لاسيما وإن المعسكر العدو قد اشترط عليهم أن يهاجروا خفافا دون أن يحملوا معهم جزءا من أموالهم وممتلكاتهم، وفي ذلك ظلم حقيقي لهؤلاء، ومن ثم فمن العدل والإنصاف إرجاع جزء من المال إلى مظلوم نُهبت وسرقت ممتلكاته.

ثانيا: أنه عليه السلام لم يكن حالما أو منتظرا انخراق العوائد والمعجزات في تحركاته، بل إنه تعامل مع الأرض وإكراهاتها الواقعية كما هي، وأخذ بالأسباب واتبعها كذي القرنين الذي اتبع سببا.

الأخذ بالأسباب ثم التوجه بالدعاء إلى الله تعالى

ومن تجليات ذلك : معرفته الاستخباراتية الدقيقة بعدد المقاتلين و أسلحتهم ومكان استراحتهم، ثم اختياره المكان الاستراتيجي للمعركة بمشورة الحباب بن المنذر ليغور الحياض ويضبط الخطة العسكرية بإحكام شديد: ميمنة وميسرة ورماة وفرسانا ومشاة … وهي أقصى ما أُبدع في تلك اللحظات من خطط عسكرية، فضلا عن بنائه للعريش مكان القيادة العسكرية التي تُقَوم المسار الحربي… والمقصود هاهنا أنه عليه السلام حارب بأسلحة عصره وتعامل مع الأحداث كما هي ولم تكن عنده نزعة رجعية جامدة.

وحين أخذ النبي عليه السلام بالأسباب توجه بالدعاء معولا على رب الأسباب سبحانه ليتم المزج والتناغم بين إكراهات الأرض ومدد السماء.

حركة المبادئ مغايرة لحركة المصالح

سورة الأنفال توضح أن الشخصية الإنسانية تتغير مقاصدها ونياتها بالمواقف، لاسيما مسألة الاسترزاق والطمع المادي، إذ كم من أناس ادعوا أنهم دعاة لمبادئ وأخلاق ثم انكشفت نياتهم في الاغتناء والاسترزاق حين وصلوا إلى مناصب أهلتهم لذاك الاعتياش، ومن ثم جاء التوجيه القرآني أن حركة المبادئ مغايرة قطعا لحركة المصالح والغنائم والأنفال….

تداول الآراء وعدم الاستفراد بها

لم يفتأ النبي صلى الله عليه وسلم الأخذ بآراء المهاجرين والأنصار ومشورة أبي بكر وعمر وعلي والحباب بن المنذر على الرغم من أنه لا يحتاج أصلا إلى مشورتهم باعتباره إنسانا يوحى إليه وكأنه عليه السلام هاهنا يربي الأمة على الشورى وتداول الآراء وعدم الاستفراد بها في جل المجالات أسرةً أو مصالح أو مؤسسات … لاسيما وإننا نلاحظ أن الاستفراد بالرأي لن يفضي إلا إلى اتخاذ قرارات خاطئة ….
محمد رضى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى