هل توقيع الميثاق كافٍ لضمان ثبات المواقف؟
الميزان/ الرباط: شكير بوشعيب

almizan.ma
هل توقيع الميثاق كافٍ لضمان ثبات المواقف؟
الميزان/ الرباط: شكير بوشعيب
لطالما كانت القضية الفلسطينية بالنسبة لحزب العدالة والتنمية قضية مركزية، إذ ارتبطت بعقيدة سياسية وأخلاقية تستند إلى ثوابت لا تقبل المساومة. ومع ذلك، فإن توقيعه على اتفاق التطبيع عندما كان الحزب في الحكومة شكل صدمة لكثير من أنصاره وخصومه على حد سواء. هذا التناقض بين الخطاب والممارسة طرح أسئلة جوهرية حول مدى التزام الحزب بمواقفه المعلنة سابقاً. اليوم، ومع تزايد الدعوات لتوسيع الجبهة المناهضة للتطبيع، يثار نقاش حول مدى جدوى توقيع الحزب على ميثاق ملزم يضمن عدم تكرار مثل هذه التناقضات مستقبلاً.
الميثاق بين الالتزام الأخلاقي والتكيف السياسي
في البداية، يبدو الميثاق بمثابة آلية لضبط مواقف الفاعلين السياسيين وضمان التزامهم الراسخ برفض التطبيع. ولكن هل يكفي توقيع حزب على ميثاق ليصبح موقفه محصنًا ضد التقلبات السياسية؟ التجربة السابقة أثبتت أن التزام الحزب بخطوطه الحمراء لم يصمد أمام إكراهات السلطة، وهو ما يعيدنا إلى السؤال: هل المشكلة تكمن في غياب ميثاق ملزم، أم في طبيعة العلاقة بين الأحزاب ومؤسسات الحكم التي تجعلها مضطرة أحيانًا لتقديم تنازلات؟
فحزب العدالة والتنمية، كما هو الحال مع العديد من الأحزاب السياسية، لا يعمل في فراغ سياسي. بل هو جزء من مشهد معقد يشمل العديد من التحديات، مثل ضغوط السلطة، والضغوط الدولية، والموازنات الداخلية التي قد تدفعه أحيانًا لتقديم تنازلات حتى وإن كان ذلك على حساب مواقفه السابقة.
إشكالية الانسجام بين الخطاب والممارسة
إذا كان الحزب قد برر توقيعه على اتفاق التطبيع بكونه جزءًا من التزاماته الحكومية، فإن ذلك يعكس واقعًا سياسيًا معقدًا. المواقف السياسية في العديد من الأحيان لا تظل ثابتة أمام تغيرات المعطيات والضغوط. وبالتالي، فإن أي التزام جديد، حتى وإن تم عبر ميثاق مكتوب، قد يظل عرضة للظرفية السياسية. إذ يمكن أن يتم تبرير أي تراجع عن المواقف عبر إكراهات أخرى تتعلق بالتحالفات السياسية أو المصالح الوطنية.
هذا يثير تساؤلاً هامًا: هل المشكلة تكمن في غياب ميثاق ملزم، أم في غياب ثقافة سياسية تضمن للفاعلين السياسيين القدرة على الصمود أمام هذه الإكراهات؟ إن توقيع الميثاق، رغم أهميته، لا يمكن أن يكون ضمانًا فعليًا لعدم التراجع عن المواقف المبدئية إلا إذا كان جزءًا من تحول أعمق في ممارسات الأحزاب وطريقة تعاملها مع القضايا الوطنية والمبدئية.
ما الحل إذن؟
من دون شك، إن توقيع ميثاق يمثل خطوة رمزية مهمة. لكنه ليس كافيًا إذا بقي في إطار الشكل دون أن يرتبط بتغيير جذري في الممارسة السياسية. لذا، بدل الرهان على مواثيق قد تظل شكلية، يجب أن نعمل على تعزيز ثقافة سياسية تقوم على التمسك بالمبادئ حتى في ظل الضغوط. هذا يتطلب إصلاحات داخلية للأحزاب السياسية، بحيث تصبح قادرة على مقاومة التحديات السياسية والعسكرية والاقتصادية دون التفريط في القيم التي تأسست عليها.
علاوة على ذلك، ينبغي بناء جبهة مناهضة للتطبيع تكون مدعومة برؤية استراتيجية واضحة، تشمل على الأقل ربط هذه الجبهة بالعمل السياسي المؤسسي، بعيدًا عن الشعارات التي قد تتغير مع تغير الظروف. يجب أن تكون هذه الجبهة قادرة على مواجهة الضغوط دون التنازل عن جوهر القضية الفلسطينية، بل والعمل على تضمين أبعاد حقوقية وإنسانية تؤكد على عدم مشروعية التطبيع في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه.
الخلاصة
توقيع ميثاق قد يكون خطوة رمزية تحمل في طياتها نية حسنة، لكن الميثاق بمفرده لا يكفي لضمان ثبات المواقف السياسية. القضية الفلسطينية أكبر من الالتزامات الورقية، وتحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية وجدية في الممارسة. إذ لا يمكن للأحزاب أن تظل مجرد أدوات لتدبير مرحلة معينة من الزمن، بل يجب أن تتحلى باستقلالية قرار سياسي يضمن لها الصمود أمام التحديات السياسية.