كتاب الراىمنوعات

الهدهد / خاطرة 13

الميزان / الدار البيضاء: د/سعيد الناوي

almizan.ma

بعد أن انتهى صاحبي و فرغ من صلاته عاد ليذكر الهدهد و قصته و غيابه عن جمع الملك النبي الذي جمع له الله ما لم يجمع لغيره من ريح و دواب و حجر و جن وبشر… ملأ السمع و البصر… ورغم أن الهدهد مجرد هاء ودال ، انفتح منقاره و بملء لسانه يقول لمن يملك حياته و موته بعد القهار :”احطت بما لم تحط به خبرا” و هو مجرد هدهدة، وسليمان، كمال القوة و سيف القرار و قلم الحرية و الحياة أو الموت… و مع الشوكة و السلطان يوجد الحلم و السماع و الإستماع و الحق و العدل و الترتيب.. ولهذا كان بين موت الهدهد أو عذابه مفصل يعطي له فرصة النجاة والحظوة و الحضور… بأن يبرر سبب الغياب فحضر و كان ما كان في علم الله.. و لعلني لم أقف كثيرا على ما تلا و لم أقف اكثر على ما أوقف صاحبي من عدل النبي و عدالة السلطان و حلم القوة ، و إنما نظرت إلى سبب التجاوز عن الهدهد و قد غاب عن الجمع، و تساءلت عن لمَ لمْ تتقرر مسوولية الهدهد عن مجرد الغياب، و إن جاء بما جاء به ؟ وعن لماذا يغيب أولآ بدون إذن ولو أنه هو من كشف بلقيس وقومها و الشمس و الصلاة والعرش العظيم… لا أحد لام الهدهد ، و لا احد قال بالخطأ في حقه طالما أنه لم يستأذن ليكتشف ، فغاب و تأخر و لو أن في غيابه مصلحة و في تأخره علم و نبأ ؟!
لربما أن ما جاء به الهدهد يستغرق الخطأ عند من لا يبحث عن الأخطاء.. و لربما أن الخطأ في أن لا يبرر الغياب ، فإن برره ، فقد ارتفعت مسؤوليته ، و ليس الخطأ في الغياب و لا في عدم الإستئذان … و إنما في الخطأ من أجل الخطأ!!
و لو نظرنا إلى القصة كمًا يقصها المولى الكريم ، لحق لنا أن نستبدل الاحتمال باليقين ، فنرفع “ربما” لتحل محلها “الأكيد و التابث و اللازم و المأمول الواقع و الجاري به العمل و الذي لا خلاف فيه…” ليصبح العمل بالنتيجة ، و التابث أن العبرة بالحجة ، و المأمول تقديم الدليل ، و المبرر المقبول والأساس الشرعي و القانوني أن الفعل لا ينزل منزلة الخطأ إذا كان له مبرر ، و من المبررات ما يمحو المسؤولية كيفما كانت و لو كانت جنائية ، فيتبث الفعل و يرتفع الخطأ وًتنعدم المسؤولية ، و لا مجال للقول بأن فلانًا جاء بالفعل و إنما جيء بالفعل بسبب ، و السبب تابث و مقبول و شفيع ومشفع و مبرر و العبرة بالخواتيم و ليس بمنطلق الفعل… و لولا هذا لوجب عقاب الهدهد لأنه تخلف عن الحضور، و لكن النبي الملك أمهل الهدهد حتى يأتي بالسلطان و الحجة المبررة للفعل .. و لولا السلطان و حلم السلطان و عدل السلطة لأحصوا للهدهد أسباب الموت و هي كثيرة في عين من يبحث عنها ، و سهلٌ هو عد الأفعال، و سهل أن تراها بلون الأخطاء، و يسيرٌ هو جمعها ، والأيسر هو البحث عنها… و لكن أصعب الصعب هو أن يقضي السلطان بالسلطان… و لولا سلطان السلطان ، لكان الهدهد في خبر كان

سعيد الناوي.غفر الله له و تجاوز عنه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى