السياسيةقضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

شراكة النور بين العالمِ والمتعلمِ

الميزان/ الرباط: بقلم أ. عبده معروف

almizan.ma

شراكة النور بين العالمِ والمتعلمِ
الميزان/ الرباط: بقلم أ. عبده معروف
العلمُ في جوهره ليس تكديسًا للمعلومات، ولا استعراضًا للمصطلحات، بل هو شرفٌ لا يُدرك، ونورٌ لا يُحجب، وبهاءٌ لا يبهت، إنه فيضٌ من العقل، وشعاعٌ من الروح، وحياةٌ للقلوب قبل أن يكون زادًا للعقول، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: *«العالِمُ والمتعلِّمُ شريكانِ في الخيرِ».* رواه الطبراني في “الكبير” عن أبي الدرداء بإسناد حسن، وزاد: *«وسائرُ الناسِ لا خيرَ فيهم»* وهذا يشمل تعلُّم وتعليم كل ما ينفع في المعاد والمعاش، وأراد بالباقي مَن لا خيرَ فيه أُولي البطالة والكسل؛ فما أبلغها من كلمات! وما أعمقها من دلالة! إذ يُرفع بهما ـ العالم والمتعلم ـ لواء الخير، ويُنسَب إليهما صلاح الأرض، ويُحرم منهما من آثر الخمول على الجد، والتفاهة على المبدأ؛ فالعلم لا يُقاس بشهادة تُعلَّق على جدار، ولا بلقبٍ يتقدَّم الاسم، وإنما يُقاس بأثره في النفوس، وصدى معانيه في الواقع، وبما يُحيي من همم، ويُقوِّم من اعوجاج، والعالم الحقيقي ليس من يحفظ النصوص لنفسه فقط، بل من ينفذ إلى أرواحها ويبعث فيها الحياة ويحيي بها غيره، والمتعلم الحق ليس من يتلقى على استحياء، ويمنعه من السؤال الكبرياء، بل من يشرب من نبع الفكر ليغدو نبعًا، ومن نور المعنى ليغدو مصباحًا، وفي عالمٍ يضج بالضجيج، ويُفتَن فيه الناس بالبهرج والسطحية، يصبح التعلُّم فعلَ مقاومة، ويغدو التعليم عبادة؛ فمن لم يكن له حظٌّ في هذا النور، فقد اختار أن يسير في الظلمة، ولو كان تحت الأضواء، “…وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ(40)” (سورة النُّور)، أجل، إن الخير كل الخير في ذلك العالِم الذي يبذل علمه كما تبذل الشمس نورها، لا يمنع، ولا يبتغي به علوًّا، وفي ذلك المتعلم الذي يصبر على مشقة الطريق، ويطرق أبواب المعنى حتى يُؤذَن له، أما من آثر الجهالة، وتوسّد البطالة، وعاش عالة على عقول غيره، فقد حكم على نفسه بالخروج من سرب الخير، وإن ظن غير ذلك؛ فيا أبناء هذا الزمان، لا تجعلوا العلم حِليةً للرياء، ولا أداةً للكسب وحده، بل اجعلوه زادًا للضمير، وسُلمًا لنهضة الأمّة، وجسرًا إلى الله؛ فالأمة التي تُهين أهل العلم وتُقصي طلابه، تُعدّ قبرًا لذاتها، مهما بدت حيةً في ظاهرها، ولتكن لنا في هذا الحديث النبوي الشريف مرآة، نرى فيها مواضعنا من الخير، فإن كنا من أهله، فطوبى لنا، وإن لم نكن، فلنُراجع الطريق، قبل أن تُطوى صحائف العمر ونحن من «الناس الذين لا خير فيهم».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى