كتاب الراىمنوعات

سباب واستعلاء… في مناظرة الفايد و”العلماء”

الميزان/ الدار البيضاء: ذ.محمد الشمسي

almizan.ma

أعلن الدكتور الفايد ثورته المباغتة ضد الفقه والفقهاء، وأحيى الفايد نقاشا قديما جديدا حول القيمة الشرعية للأثر الفقهي المتداول بين المسلمين منذ العهد الأموي، أو ما اصطلح عليه ب”الكتب الصحيحة”، ولم يستسغ من يسمون أنفسهم بالعلماء تحرش الفايد بما يحسبونه مجالهم و”منطقة صيدهم”، فأغاروا على الفايد جماعات وفرادى، يقرعونه تقريعا، وينفون عنه لقب عالم دين فأنى يكون له موطئ قدم في الحديث في الدين، واعتبروا الحديث في الدين حكرا عليهم وحدهم دون غيرهم، وأن باقي الناس عليهم فقط أن ينصتوا لأقوال “العلماء” باعتبارهم “ورثة الأنبياء”، وأن يقولوا “سمعنا وأطعنا”.
ليس في المناظرة الفقهية بين الطرفين جديد، فمسألة التشكيك في صحة الكتب المسماة صحيحة، ومعها أحكام وفتاوى السلف، خاض فيها باحثون كثر، لكن الجديد المؤلم في مناظرة فريقيْنا هو أنهما اشتبكا مع بعضهما اشتباك الصغار، وتدحرجا الواحد فوق الآخر وهبطا بالنقاش إلى الدرك الأسفل من الانحطاط والسفول، وفتح كل فريق منهما معجم المثلبة والمنقصة ليصبغ بها خصمه، كل ذلك على حلبة مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتابع المتابعون النزال كما تتابع “الإيلترات” مباراة كرة القدم.
فالفايد جرد “الفقهاء” من لقب “علماء”، وذهب به استعلاؤه عليهم وهو يلوح بتخصصه العلمي، وبلغاته السبع، وحفظه للقرآن، وبحثه في شؤون الدين لسنوات، لنعت خصومه بأنهم يصلحون فقط لرعي الماعز في القرى النائية، أو يقفون في أبواب المقابر، يقرؤون ما في أجوافهم من قرآن على الأموات، وأنهم يبذرون الجهل في المجتمع، وهذا سلوك لا يليق برجل بسيرته تلك، أما “العلماء” فنفروا خفافا وثقالا، يتصدون لغزوة الفايد التي رأوها تخدش في “وصايتهم” على الدين، باعتبار الدين جزء من أملاكهم، فقصفوه بمنجنيق الفسوق والكفر، مستدلين على فتاويهم من ذات الكتب التي هي أصل الخلاف، وصبوا عليه زيت اللعنة، و لوح بعضهم بورق مقوى من شواهده وديبلوماته في علم الشريعة، في حين عول آخرعلى لحيته وقميصه ليسب الفايد سبا مهينا، ينحدر بالسجال العلمي إلى ما تحت القاع.
صفوة القول أن سحب الطعن والتباغض قد سترت فحوى المناظرة، وأبانت أن “علماءنا” من الفريقين، ينتمون لعالم الدول المتخلفة في جدالهم ونقاشهم، وأن صدورهم تضيق بكل رأي مخالف، وأنهم جميعهم مستعدون للاقتتال أكثر من استعدادهم للحوار، وأن علومهم التي يشهرون شواهدها لم تسعفهم حتى في خط أرضية لتناظر هادئ حكيم رصين، تكون فيه الغلبة للحجة الأقوى وليس للشتيمة الأقبح، وتتناظر فيه الأفكار ولا يتضخم فيها الأنا، ولا تستعر فيه عصبية، بما يعطي صورة مشوهة عن تدبير الاختلاف، ويجعل من “العلماء” قدوة سيئة بما يهدد تلاميذهم وأتباعهم بعدوى السباب والاستعلاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى