السياسيةالفقه والشريعةقضايا المجتمعكتاب الراىمنوعات

*”…وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ…”*

الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف

almizan.ma

*”…وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ…”*
الميزان/ الرباط: بقلم/أ. عبده معروف
قال الله تعالى: *”أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُۤ لَهُۥۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٞ مِّنَ ٱلنَّاسِۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَابُۗ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ۩(18)”*(سورة الحَج)،.. يا لسحر هذه الآية! ويا لوقعها العميق في أعماق القلب والوجدان.. كأنها نداء من السماء، ينبه الغافلين ويوقظ النائمين، ويضع الإنسان أمام مرآة الحقيقة الكبرى: أن كل ما في هذا الكون من جمال وجلال وخضوع، إنما يسير بأمر الله، ويسجد لعظمته، طوعًا أو كرهًا، شعورًا أو فطرةً، *”أَلَمۡ تَرَ؟”.. سؤال ليس للاستفهام، بل للدهشة، للوقوف، للتأمل في هذا الموكب العظيم: الشمس تنحني، والقمر يخضع، والنجوم تذوب في طاعته، والجبال الشامخة تنحني رغم عظمتها، والشجر يتهجد، والدواب تركع، وحتى كثير من الناس.. يسجدون، يخرّون لله سُجّداً وبُكياً، لأن في قلوبهم نورًا عرف ربه، فانكسر له حبًّا وخوفًا وتعظيمًا، *”أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ وَمِمَّنۡ حَمَلۡنَا مَعَ نُوحٖ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡرَٰٓءِيلَ وَمِمَّنۡ هَدَيۡنَا وَٱجۡتَبَيۡنَآۚ إِذَا تُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُ ٱلرَّحۡمَٰنِ خَرُّواْۤ سُجَّدٗاۤ وَبُكِيّٗا۩(58)”* (سورة مَريَم)؛ ولكن… وكأنَّ الأفق يضيق، حين تتابع الآية: *”وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَاب”*. أولئك الذين أهانوا أنفسهم بالإعراض، فكان جزاؤهم الإهانة من الله؛ فأيّ شقاء أعظم من شقاء من سلبه الله الكرامة؟! ومن يُهنه الله، فهل يجد في الأرض مَن يُكرمه؟! وهل تملك الدنيا كلّها، بأموالها ومناصبها، أن تعيد إلى قلب مهانٍ نور الطمأنينة، أو إلى وجه مذلول إشراق الهيبة؟ لا وربّ العرش، فالإكرام بيد من بيده خزائن السماوات والأرض،.. الآية تمضي بقوة وحزم: *”إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ”.. فلا معقب لحكمه، ولا رادّ لمشيئته، فالسجود لله ليس حركة جسد، بل خضوع روح، واعتراف بعظمة الجلال، وتذلل للمولى سبحانه،.. أيّها الإنسان، إن أردت الكرامة فابحث عنها عند باب الله، لا عند الناس، ولا عند متاع زائل، ازهد في رفعةٍ يهبها الخلق، وتمسّك برفعةٍ يهبها الحق، اسجد لله، تسجد لك الحياة؛ فما أكرم من أكرمه الله، وما أذلّ من أهان نفسه بالبعد عن مولاه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى