…من جهلها…
جيل z من مقاربة الأزمة إلى أزمة المقاربة
الميزان/ الرباط: الدكتور محمد جودات
بينت الأيام القليلة التي عرفت أحداث الاحتجاجات في المغرب؛ أن الحكومة والمسؤولين الأمنيين لا يعرفون تدبير الأزمات؛ وأن توزيع التهم هو فن البعض؛ بعيدا عن التحليل الاجتماعي والنفسي الذي لا يمكن للذين تربوا داخل الإيديولوجيات الضيقة أن يفهموه أو يشركوا ذوي المقاربات العلمية في فهم الواقع. والنتيجة التي وصلنا إليها هي محاولة تخوين كل الذين يتحدثون عن أوضاع صحية وتعليمية مخزية. والنتيجة أيضا أن مقاربة الأزمة بالتروي والحكمة وإعمال العنف والاعتقالات شوهت سمعة المغرب؛ ومسحت كل التلميعات التي بناها المغرب من أجل السياحة والتحول الديمقراطي والتحول الرقمي والإنجازات.. حتى وصفت بعض المنابر اعتقال الشباب على الهواء بالغباء الأمني. فمن يقدم هذه الصورة البشعة للعالم لن تكون الحقيقة والسلوكيات التي يقوم بها في الخفاء والتي يعرفها من تعامل مع المؤسسات الأمنية والإدارية إلا أكثر بشاعة.
هذه التساؤلات وغيرها يفسره التعاطي البئيس للحكومة مع واقع يستحق مقاربات موضوعية ومصيرية. فوصف عدد العربات التي ضاعت وعدد الضحايا من الأمن- وهم طبعا أبناء الشعب وفئة متضررة- يصر على اعتبار المتظاهرين فئة لا تستحق حتى مجرد التحليل. والاستهانة من طرف حكومة (منتخبة) ممثلة لكل فصائل الشعب تطرح أسئلة محرجة؛ لا نستغرب أن يعتبرها الشباب غير معنية بالحوار ولا يمكن أن تستجيب لهمومه وتطلعاته.
ثم إن وعي جيل z لا تنطلي عليه حيل التخوين وعدم المواطنة؛ لأنه يؤطر مطالبه باحترام الملكية؛ ولا يفتح المطالب على مشراعيها.
وكل الابتسامات والأناقة الخبيثة التي تعمد المسؤولون الحكوميون بعثها عبر وسائل التواصل؛ أو خلال تصريحاتهم؛ واعتبارها الحراك الشبابي مجرد خروج عن قانون الإضراب؛ أو تعبيرات (إلكترونية) كما وصفها السياسيون في تعبير عن جهلهم؛ كل هذا لن يقدم حلولا عملية؛ ولن يسهم إلا في قذف الفاسدين في مزبلة التاريخ.
إن الاستهانة بمطالب المحتجين واحتقارها؛ والخروج الإعلامي بابتسامات عريضة وأزياء جميلة تصلح للعرض.. لا يمسح الغباء السياسي الذي وصفتنا به الصحافة الأجنبية. ولا ينفي مطالب فئات أخرى عوملت بنفس الازدراء والاستهانة. فلا يمكن أن تكون مطالب التعليم والدكاترة الأساتذة والأطباء … كلها تقدم رأي النخبة المنتخبة التي تحسن فن شد الحبل والتباطؤ في الحلول ؛ عوض تعلم فن تدبير الأزمة ومحاولة تجاوزها بسرعة. لذلك يأخذ ملف التعليم فترة طويلة بسبب تعنت المسؤولين؛ ويدوم ملف دكاترة التعليم سنوات..
ويعتبر المسؤولون سوء تدبير الأزمة انتصارا؛ وعدم الحوار قوة.. وهم في الحقيقة واهمون لأنهم ينشئون أجيالا وصلت إلى حد اعتبار الحكومة والسياسيين خارج لعبة المطالب.
ومهما حاولت النخب الفاسدة تخوين المحتجين وتخويفهم؛ فإنها لا تزيد الأزمة إلا تفاقما.
ولا يستطيع أحد اليوم تغطية الشمس بالغربال كما يقول المغاربة؛ لأن وسائل الدعاية لم تعد بيد صحافة مدفوعة الأجر أو صحافة تتحدث عن الأحداث الهامشية ولا تذكر ولو في إشارة عابرة واقع الشارع ونبضه وهمومه.
إن الإنجازات التي قدمها المغرب في البنية التحية كبيرة جدا؛ ولا ينكرها أحد. لكن المواطن يدرك أن الملكية هي المحرك؛ وأن الحكومات المنتخبة فشلت في التعاطي العقلاني المبني على المقاربات العلمية الرصينة للأوضاع.
وعليها أن تتكون خارج الإيديولوجيات التي تفكر خارج السياق المجتمعي؛ وقد جربها المغاربة منذ الاستقلال ووصلوا في أكثر من مرحلة إلى التحكيم الملكي.