الحرب الروسية / الأوكرانية وكلفة اللامغارب على المغاربيين
الميزان/ د: راضية الدباغ
almizan.ma
من بين أشهر المقولات للكاتب الأمريكي توني روبنز، الحياة عبارة عن دروس، عليك أن تعيشها أحياناً لتفهمها. نعم هكذا أبدأ مقالي لعله يكون تدوينة لقلم حر توحي بدرس من أجل وعي مغاربي، ففي الوقت الذي تعتبر فيه الحرب الروسية الأوكرانية بكل تداعياتها وبكل صورها وسيناريوهاتها، مصدر قلق للمحور الغربي والولايات المتحدة الأمريكية. كما توحي في نفس الوقت إلى أن هناك متغيرات كبرى ستغير قواعد النظام الدولي القائم، المبني على القطبية الواحدة للولايات المتحدة الأمريكية، والتي تجد معه الكثير من دول العالم نفسها أمام وضع يصعب فيه الاختيار والإصطفاف في هذا الجانب أو ذاك، خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي اليوم يحاول أن يخرج نفسه من حالة الإرتباك التي يعرفها ومحاولة التمسك بما هو ممكن من خيوط هذه الأزمة، في سعي منه إلى احتواء مجرى التحولات وهضمها، والمساهمة في ضبط مسارها، أمام التوغل الروسي المستمر في أكرانيا، متحديا بذلك كل الإجراءات والعقوبات البنيوية الاقتصادية /المالية التي تضرب بها الأمم المتحدة روسيا لتحجيمها للعدوان الروسي على المنطقة بدون جدوى.
وهي مسألة، قد تفتح النقاش من جديد بشأن مستقبل الأمن الأوروبي، وارتباطاته بالولايات المتحدة، وخصوصاً مع الإعلان عن توجه بعض الدول في تقييم تبعيتها القطبية وإظهار رغبتها في التحرر من الدور الأمريكي المتنامي ضمن منظومة الأمن الأوروبي، وإرساء أمن إقليمي مستقل في إطار الاتحاد الأوروبي. وكذا إعادة النظر في علاقاتها وترتيبها، بما يضمن حماية مصالحها.
مما يحيلنا بشكل مباشر حول تضارب المواقف الدولية المتباينة حول هذه الأزمة وتدبدب مواقفها وعدم وضوحها، وهو ماتحاول معظم حكومات الدول العربية تبنيه بعدم اتخاذ أي مواقف سياسية من الأزمة بين روسيا وأوكرانيا في مسعى منها للحفاظ على علاقات متوازنة مع الدولتين. لكن مع استمرار التوترات بين واشنطن وموسكو حول الأزمة الأوكرانية، قد تجد بعض الحكومات العربية نفسها أمام اتخاذ موقف سياسي للاختيار بين روسيا أو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. لكن هناك عددا من الدول الأخرى التي استوعبت هذه المتغيرات وبادرت إلى التشكل على المستوى الأمني وأيضا على المستوى عدم التبعية الاقتصادية لبؤرة التوتر الحالية التي شكلتها روسيا، والبحث على حلول وبدائل لتعويض النقص في مواردها، وفي تمام هذه النقطة، نفضي إلى كلفة اللامغارب على المغاربيين، وما لم تأخذه في الحسبان هذه الدول أمام التحديات المستقبلية، والرهانات التي ستفرض عليها آنيا، أحلافا محتومة لامفر منها، وبالتالي الخروج من حالة التفتيت التي تعيشها اليوم. ولعل الحرب الروسية الأوكرانية كانت أكبر مثال لهذه الخسارة – التكتل المغاربي- التي تعيشها اليوم معظم دول العالم بما فيها الدول المغاربية. والتي تأثرت بشكل مباشر إلى جانب منطقة الشرق الأوسط بتداعيات الحرب في مجال تجارة المواد الزراعية وإنتاج الحبوب. حيث تعتمد دول عربية كثيرة على استيراد القمح الروسي أو الأوكراني بالدرجة الأولى لسد حاجتها المحلية، مثل اليمن ولبنان وليبيا ومصر وتونس والجزائر، والمغرب، وهي في عمومها دول تعاني من أزمات معيشية قد تزيد معاناة شعوبها جراء ارتفاعات محتملة في أسعار القمح نتيجة قلة حجم المعروض في السوق العالمية وتمثل صادرات القمح من روسيا وأوكرانيا نحو 30 في المئة من حجم المعروض في الأسواق العالمية، وكذلك مايتعلق بمواد غذائية أساسية أخرى مثل الذرة والزيوت النباتية. بالإضافة إلى تأثيرات تدفق اللاجئين من منطقة الحرب إلى دول الاتحاد الأوروبي، وما يمكن أن تشكله من ضغوط على برنامج المساعدات العالمية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وماقد تسفر عنه المتغيرات الدولية الجديدة إثر الأزمة الحالية وتداعياتها بين المحور الأوروبي – الأمريكي – الروسي من إعادة توجيه وربما التخلي وتعطيل المساعي الأممية لحل بعض الصراعات والملفات السياسية في هده البلدان.
مسألة تحيلنا مباشرة إلى التبعية المميتة لهذه الدول، وللكلفة الكبيرة والفادحة لعدم بناء المغرب الكبير، وحل مشاكلها في الإطار الجهوي المغاربي، وبمنظورات مغاربية تستجيب لتطلعاتهم، ولقد قدر البنك الدولي قيمة هذه الفرص الضائعة منذ سنوات بفقدان 2 في المئة من الناتج الخام الوطني لكل دولة مغاربية. والمؤسف أن الضياع مازال مستمرا باستمرار تعثر المشروع، ولايعرف على وجه اليقين متى يتوقف الضياع، وتهب ريح الوعي على عقول النخب المغاربية والقائمين على تسييرها، والتي تعي اليوم لماذا، ولما حاولت الحكومات العربية عدم اتخاذ مواقف سياسية من الأزمة سعيا للحفاظ على علاقات متوازنة مع الدولتين.
فهدا التفتيت المغاربي اليوم يرهن إمكانات وفرص التطور في المنطقة المغاربية، ويضعها في مصاف الجهات الوحيدة في العالم الأقل اندماجا، وبالمقابل فسح لها هذا الشتات، مجال تبني السياسات العسكرية التي غدتها الرغبة في التسلح، مسألة تبتلع حصصا كبيرة من النواتج الداخلية لدول المنطقة، مما يجعل كلفة اللامغارب تتعدى حدود الصواب، والمعقول، أمام تهديدات أمنية وغدائية شكلت اليوم الأزمة الأوكرانية الروسية إحدى وجوهها الغير المنتظرة من الشعوب المغاربية، التي عمقت تداعياتها من تعميق الأزمات السياسية بالبلاد، وتنامي الثورات بالشارع العربي. وهي فرصة يمكن تحويلها لصالح هذه الدول، وتفسح المجال لأشكال من التعاون والتضامن البناءة والمفيدة للجميع، بمايعطي مضمونا لتطلعات كل الشعوب المغربية، كقوة واحدة موحدة لشعوب المنطقة ودولها وكل الجوار، كونها الخيار الإستراتيجي الوحيد ذي الصلاحية في زمن التكتلات الكبرى.