almizan.ma
رفع “نادي قضاة المغرب” خلاصات وتوصيات ندوته الأخيرة التي نظمها بشراكة مع رئاسة النيابة العامة حول موضوع: “موقع الأخلاقيات القضائية في تدبير المحاكم: واقع وآفاق؟!” إلى أنظار المجلس الأعلى للسلطة القضائية، مع ما أسفرت عنه من مطلب تعديل مدونة الأخلاقيات القضائية وإصدار دليل لضبط حدود ونطاق تدبير المسؤول القضائي لمهامه.. جاء فيها:
الرباط في: 05-05-2022
المكتب التنفيذي لـ “نادي قضاة المغرب”
إلــــى فضيلة السيد
الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية
المرجع: المادة 31 من مدونة الأخلاقيات القضائية.
الموضوع: حول خلاصات وتوصيات ندوة علمية.
ســلام تام بــوجود مـولانــا الإمــــــام
وبــعد ؛ فعلاقة بالموضوع المشار إليه أعلاه، يشرفنا فضيلة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومن خلالكم كل مكونات هذا المجلس الموقر، وتبعا للندوة العلمية التي نظمها “نادي قضاة المغرب” بشراكة مع رئاسة النيابة العامة، يوم الجمعة 29 أبريل 2022 بفندق داوليز بمدينة سلا، في موضوع: “موقع الأخلاقيات القضائية في تدبير المحاكم: واقع وآفاق ؟!”، أن نرفع إلى أنظاركم التوصيات والخلاصات التي أسفرت عنها أشغال هذه الندوة، وذلك من خلال المحورين التاليين:
المحور الأول
فيما يتعلق بأخلاقيات المسؤول القضائي في مدونة السلوك
أجمع كل المشاركين في هذه الندوة العلمية على أن القيم والمبادئ المنصوص عليها في مدونة الأخلاقيات القضائية الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، تشمل، أيضا، السادة المسؤولين القضائيين المكلفين بمهام تدبير الإدارة القضائية بالمحاكم، وذلك في حدود ما يشتركون فيه مع عموم السادة القضاة، خصوصا في الشق المتعلق بمهامهم القضائية المتمثلة في ممارسة القضاء الاستعجالي وإصدار الأوامر المبنية على طلب والأوامر بالأداء، فضلا عن واجب التحفظ، وعدم استغلال الصفة القضائية في قضاء المصالح الشخصية، والتقيد بآداب القضاء بصفة عامة.
غير أن هذه المقتضيات لا تستوعب كل أنماط السلوك المترتبة عن بعض المهام الأخرى المسندة إلى السادة المسؤولين القضائيين، حيث ظلت خارجة عن دائرة التنظيم بمقتضى المدونة المذكورة، شأنها شأن مهام أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ومن أهم هذه السلوكات ما يلي:
· السلوكات المتعلقة بنظام تقييم القضاة، وهو النظام الذي وجبت إعادة النظر فيه وتأطيره بشكل دقيق، وذلك لضمان موضوعيته وحياديته، علاوة على حمايته من الخضوع لرغبات وميولات المسؤول القضائي خوفا من احتمال استغلاله في التأثير على استقلالية القضاة.
· السلوكات المتعلقة بتدبير الجمعيات العامة داخل المحاكم، والتي قد تتولد عما يسند بموجب هذه الأخيرة إلى المسؤول القضائي من صلاحيات وأدوار مهمة قد تؤدي إلى تقزيم دور القضاة والتأثير على استقلاليتهم، مما ينبغي معه الاهتمام بها وضبط صلاحيات كل طرف فيها على حدة بشكل واضح وجلي.
· السلوكات المتعلقة بإجراء تعيين القاضي المقرر في المادة المدنية والتجارية والإدارية، والتي قد تتأثر بطبيعة العلاقة التي تجمع المسؤول القضائي بالقاضي المعين، وبالتالي التأثير على حسن سير العدالة وعلى الأداء القضائي لهذا الأخير.
· السلوكات المرتبطة بالإدارة القضائية، والتي قد تُوسم ببعض مظاهر التأثير على العمل القضائي، وهو ما يتعين معه تحسين تدبيرها بما يتلاءم ومبدأ استقلالية السلطة القضائية، مع إخضاعها لضوابط أخلاقية وسلوكية واضحة ودقيقة.
· سلوكات المسؤول القضائي بالنيابة العامة، والمتعلقة باختيار قضاة التحقيق، والتي قد تُطبع بعدم الموضوعية التي من شأنها التأثير على السير الطبيعي للتحقيق في بعض الملفات، وهو ما يتعين تسييجه بما يلزم من الضوابط المعيارية التي تضمن مبدأ الحياد في ممارسة هذا الاختيار.
· السلوكات المتعلقة بمهام التأطير القضائي، والتي قد تجنح إلى التأثير على سير بعض القضايا تحت غطاء هذا التأطير، وهو ما يتعين ضبطه بقواعد أخلاقية تكفل: أولا، اضطلاع المسؤول القضائي به فعليا وعدم الإحجام عنه. وثانيا، استخدامه في تدعيم استقلالية القضاة والرفع من مستوى تكوينهم وجودة أدائهم.
· السلوكات المتعلقة بمهام الاستشارة الأخلاقية، والتي قد تُستغل في التأثير على استقلالية القضاة، أو في تقوية مركز الإدارة القضائية على حساب العمل القضائي، وهو ما يتعين حمايته بمقتضى قواعد أخلاقية ضابطة، تضمن حيادية المسؤول القضائي في ممارسته للاستشارة الأخلاقية، مع ما يتطلبه ذلك من إعادة النظر في الجمع بينها وبين مهام المسؤولية بما يكفل تفعيلها على أرض الواقع بشكل يحقق الهدف من وراء سن مدونة الأخلاقيات.
المحور الثاني
فيما يتعلق بدور المسؤول القضائي في تخليق واستقلالية القضاء
أجمع المشاركون في نفس الندوة العلمية على الدور الهام للمسؤول القضائي، واعتباره بمثابة القطب الذي تجوب حوله قضيتا: التخليق، والاستقلالية. وتم التأكيد على بعض القواعد الواجب مراعاتها، وذلك من قبيل:
· ضرورة تخليق ودعم استقلالية المسؤول القضائي قبل القضاة، وذلك عن طريق وضع معايير واضحة في اختياره وتعيينه، أهمها: النزاهة، والاستقلالية، والكفاءة، وحسن التواصل.
· ضرورة عقد المسؤول القضائي للقاءات دورية مع القضاة العاملين إلى جانبه من أجل مناقشة ومدارسة مدونة الأخلاقيات القضائية، بهدف تحسيسهم بالالتزامات المضمنة بها وفق ما يستحدث من وقائع وأحداث على أرض الواقع، وذلك كتدبير احترازي يرمي إلى تفادي مخالفتها وخرق أحكامها في المستقبل.
· ضرورة تحسيسه بما يقع عليه من عبء في تهيئ الجو والظروف الكفيلة بضمان استقلالية القضاة وممارستهم لمهامهم القضائية، في تجرد وحياد دون أي تأثير كيف ما كان نوعه ومصدره.
· ضرورة إرشاده إلى دوره الرقابي المتعلق بتصريف الأشغال داخل المحكمة، خصوصا على مستوى الإجراءات المتخذة أثناء الجلسات، وكيفية عقد هذه الأخيرة، في حدود ما يتيح له التقييم الموضوعي للقضاة المعنيين بها، دون أن يتجاوز ذلك إلى التدخل في جوهر تلك الإجراءات التي يتم تصريفها عن طريق أوامر ولائية قضائية منبثقة عن إعمال أولئك القضاة لسلطتهم التقديرية، إذ هم من يتحملون مسؤوليتها القانونية لا غير، وذلك انسجاما مع استقلالية المهام القضائية عن المهام الإدارية، وحظر التدخل فيها بمقتضى الفصل 109 من الدستور.
· ضرورة تحسيس القضاة، أنفسهم، بهذا الدور الرقابي، مع وضع فواصل دقيقة توضح الجائز من غيره بخصوص نطاق دور المسؤول القضائي في هذه العملية، بما يتلاءم ومقتضيات الدستور وروحه وفلسفته.
· إرشاد المسؤول القضائي إلى ضرورة القطع مع بعض الممارسات السلبية في تدبير الجمعيات العامة داخل المحاكم، وحثه على اعتماد المقاربة التشاركية مع القضاة في إعداد برنامج توزيع الأشغال بينهم، لما في ذلك من دعم لاستقلاليتهم، وبالتالي استقلالية السلطة القضائية، وبما يتوافق مع مبدأ ضمان الحفاظ على المصلحة العامة للمحكمة وحسن سير المرفق القضائي.
· تحسيسه بمراحل إعداد الجمعية العامة داخل المحاكم، وتوصيته بعدم احتكار إعدادها وأشغالها بما يؤدي إلى تغييب دور القضاة فيها.
· تحسيسه، أيضا، بخطورة تغيير برنامج الأشغال داخل المحكمة بعد المصادقة عليه من قبل الجمعية العامة، أو تعديله في إطار التفويض الممنوح له بمقتضى محضر الجمعية دون الدعوة إلى عقد جميعة استثنائية خلافا للقانون.
لذلك، وتأسيسا على الخلاصات التي تم بَسطُها آنفا، أوصت الندوة العلمية موضوع هذه المذكرة، بضرورة تعديل مدونة الأخلاقيات القضائية بما يضمن استيعاب وتنظيم السلوكات المتعلقة ببعض مهام المسؤولية القضائية المشار إليها في المحور الأول أعلاه، وكذا إعداد دليلٍ يكون بمثابة ضابط مهني يضبط حدود ونطاق تدبير المسؤول القضائي لمهامه في مجال: الرقابة الإدارية، والتأطير القضائي، وإعداد الجمعيات العامة داخل المحاكم.
وإذ نرفع إلى حضرتكم هذه الخلاصات والتوصيات، إعمالا للمادة 31 من مدونة الأخلاقيات القضائية، فكلنا أمل في طلب الاستجابة إلى مضمونها من قبل مجلسكم الموقر. وإلى ذلكم الحين، تفضلوا فضيلة السيد الرئيس المنتدب بقبول أسمى آيات التقدير وعبارات الاحترام.
والــــســـــــلام.
عن المكتب التنفيذي لـ “نادي قضاة المغرب”
الكاتب العام