almizan.ma
كلمة السيد رئيس النيابة العامة بمناسبة اللقاء الجهوي لتتبع الاتفاقية الإطار للشراكة والتعاون في مجال إلزامية التعليم الأساسي للحد من الهدر المدرسي والوقاية من زواج القاصر تنفيذا لإعلان مراكش 2020 بجهة طنجة تطوان الحسيمة
طنجة- 25 يوليوز 2022
بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
حضرات السيدات والسادة، الحضور الكريم كل باسمه وصفته والتقدير الواجب له.
إنه لمن دواعي سروري أن أفتتح وإياكم هذا اللقاء الجهوي الهام الذي ننظمه في إطار تتبع تنفيذ الاتفاقية الإطار للشراكة والتعاون في مجال تفعيل إلزامية التعليم الأساسي من أجل الحد من الهدر المدرسي، وهي الاتفاقية التي تم التوقيع عليها تنفيذا للالتزامات المضمنة بإعلان مراكش 2020 للقضاء على العنف ضد النساء، المبادرة المبتكرة البناءة التي تم إطلاقها تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا مريم.
وأغتنم هذه المناسبة لتقديم جزيل الشكر، وعظيم الامتنان لممثلي القطاعات الشريكة على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة، على التزامهم الصادق، وانخراطهم المسؤول كل من موقعه في تحصين المكتسبات، وكسب الرهانات المنتظرة في سبيل مكافحة أسباب الهدر المدرسي باعتباره عقبة حقيقية في وجه التنشئة السليمة للطفل ورافدا أساسيا لزواج القاصرات.
حضرات السيدات والسادة؛
لقد عملت رئاسة النيابة العامة منذ تأسيسها على إيلاء حماية الطفولة أهمية قصوى، وجعلتها من بين أولويات السياسة الجنائية التي يتعين الحرص على تنفيذها من خلال تدخل النيابة العامة بمحاكم المملكة، وقد أفردت للموضوع عدة مناشير ودوريات تحث قضاة النيابة العامة على تفعيل الصلاحيات المخولة لهم قانونا للحفاظ على حقوق الطفل ومصلحته الفضلى، وواكبت ذلك بوضع وتنفيذ برامج للتكوين والتكوين المستمر لقضاة النيابة العامة تعزيزا لقدراتهم وخبراتهم في المجال.
واستكمالا لهذه المجهودات، وإسهاما منها في رفع التحدي الذي انخرطت فيه بلادنا من أجل النهوض بحماية الطفل وحقوقه، واعتبار ا لكون ظاهرة زواج القاصر من الممارسات المضرة التي ينعكس أثرها على ضمان تمتع الأطفال بحقوقهم الكاملة؛ وجهت رئاسة النيابة العامة اهتمامها للموضوع في سعي حثيت لتعزيز الأدوار الموكولة للنيابة العامة من أجل جعله في أضيق الحدود الممكنة انسجاما مع غاية المشرع الذي جعله استثناء من الأصل وقيده بشروط تستهدف التحقق من وجود المصلحة منه.
ومن هذا المنطلق، عملت رئاسة النيابة العامة على إعداد دراسة تشخيصية شاملة في الموضوع، قاربت من خلالها المعطيات القضائية لمسطرة تزويج القاصر، وكذا الجوانب الميدانية المرتبطة بواقع هذه الظاهرة، وخلصت إلى استنتاجات غاية في الأهمية، شكلت منطلقا لإعداد خطة طريق للتصدي لهذه المعضلة التي تعوق تمتع الطفلات بحقوقهن وتحرمهن من ممارسة طفولتهن التي تهيئ لبناء شخصيتهن كمواطنات ذوات حقوق ومواطنات قادرات على المشاركة في تنمية المجتمع، وهي الخطة التي تعمل رئاسة النيابة العامة على تتبع بنودها مع كافة الشركاء المعنيين.
وتَوَاصل اهتمام رئاسة النيابة العامة بالموضوع من خلال التوجيه الدائم لقضاة النيابة العامة لتفعيل أدوارهم المنصوص عليها في القانون وعدم التردد في التماس رفض طلب تزويج القاصر والحرص على احترام الشروط المقيدة لهذا الزواج، لاسيما إجراء الأبحاث الاجتماعية والخبرات الضرورية وتقديم الملتمسات واتخاذ كل الإجراءات القانونية المتاحة حفاظا على مصلحة القاصر الفضلى، وقد تم تضمين هذه التوجيهات في العديد من الدوريات الموجهة للنيابات العامة كما تم تدارسها في إطار العديد من الدورات التكوينية المنظمة لهذه الغاية.
وهو ما انعكس إيجابا على أداء النيابات العامة في الموضوع ومكن من تسجيل ارتفاع ملحوظ في عدد ملتمساتها برفض تزويج القاصر حيث ناهز عدد هذه الملتمسات سنة 2021 (20.235 ملتمساً) بنسبة 69.94 % من مجموع الطلبات المقدمة لتزويج القاصر (32.104 طلباً) مقابل (12140 ملتمساً) سنة 2018 بنسبة 37.81 % من مجموع الطلبات (28.930 طلباً).
حضرات السيدات والسادة؛
إن تشعب الأسباب التي تشكل بيئة حاضنة لزواج القاصر، وتغذي الثقافة الممانعة للحد منه؛ يطرح تحديات كبيرة لا سبيل لتجاوزها إلا باستنهاض الهمم، وتظافر مجهودات الجميع والعمل البناء من أجل تنفيذ أهداف ومبادرات مشتركة.
ويأتي توقيع الاتفاقية الإطار للشراكة والتعاون مع وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي بتاريخ فاتح مارس 2021 في مقدمة هذه المبادرات.
ومن بين الأهداف الأساسية لهذه الاتفاقية الحرص على ضمان متابعة الفتيات تمدرسهن ووقايتهن من أضرار الزواج المبكر، عبر تنسيق الجهود المشتركة لتفعيل قانون إلزامية التعليم الأساسي، وذلك انطلاقا من قناعة واقعية مفادها أن الهدر المدرسي سد واقف لنمو الطفل كما أنه مسلك مباشر نحو الزواج المبكر بالنسبة للطفلات.
وقد انطلق تفعيل هذه الاتفاقية في مرحلة أولى بمدينة مراكش كتجربة نموذجية في مارس 2021 ليتم تعميم التجربة على مجموع التراب الوطني بموجب الدورية رقم 20 بتاريخ 9 يونيو 2021 حول تتبع إعلان مراكش 2020، التي تضمنت عددا من التوجيهات للنيابات العامة للحد من الهدر المدرسي للفتيات على وجه الخصوص التزاما من رئاسة النيابة العامة اتجاه شركائها برفع التحدي سريعا نحو الحد من زواج القاصر.
وقد مكنت الشراكة في هذا الباب بين رئاسة النيابة العامة وقطاع التربية الوطنية والحمد لله من استرجاع أزيد من 20.000 فتاة على الصعيد الوطني في السنة الأولى لإعمال الاتفاقية، وهي حصيلة مشرفة جدا تدفع بأهداف الاتفاقية قدما وتضع على عاتقنا جميعا عبء الالتزام بعدم تراجع هذه الأرقام ومزيد الحرص للحفاظ على أطفالنا وطفلاتنا بمقاعد الدراسة.
حضرات السيدات والسادة؛
إن الحرص على التنزيل السليم للالتزامات الملقاة على عاتقنا هو الكفيل وحده بترجمة المقتضيات الواردة في دستور المملكة لسنة 2011، ذات الصلة بتوفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الأطفال بكيفية متساوية، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية، واعتبار التعليم الأساسي حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة.
كما يعد هذا الأمر معيارا حقيقيا لمدى وفاء بلادنا بالتزاماتها الدولية، المتعلقة بحقوق الطفل، والسعي إلى الارتقاء بحماية الأطفال بما يحقق مصالحهم الفضلى، وإلغاء مختلف مظاهر التمييز المبني على الجنس بين صفوفهم.
حضرات السيدات والسادة؛
إن انعقاد هذا اللقاء يشكل محطة مهمة في الوقوف على المنجزات التي تحققت على صعيد الجهة، وسيمكن لا محالة من الوقوف عن قرب على حجم التحديات والتوافق على أنجع السبل لتجاوزها والتغلب عليها.
والأمل معقود على الجميع لتحقيق الأهداف المرجوة، وكسب رهان النموذج التنموي الذي أطلقه صاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس نصره الله بحكمة وتبصر والذي جعل من اختياراته الاستراتيجية العمل من أجل رأسمال بشري معزز وأكثر استعدادا للمستقبل، كما سيكون ذلك لامحالة استجابة لانتظارات صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم المضمنة بإعلان مراكش.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير وطننا، وجعلنا جميعا عند حسن ظن سيدنا المنصور بالله جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعز أمره وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الجليل مولاي الحسن وشقيقته الأميرة للاخديجة وشد أزره بصنوه الرشيد مولاي رشيد وكافة أفراد أسرته الشريفة، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
*مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة*