اهتمام خطاب العرش بـ”مدونة الأسرة” يبعث آمال حقوقيين بتجويد المضامين
الميزان / الرباط: متابعة
almizan.ma
فتح الملك محمد السادس باب النقاش المؤسساتي الفعلي بشأن مضامين مدونة الأسرة، وذلك عقب طرح خطاب العرش، السبت، إحداث تغييرات، وإقرارا بوجود عوائق تربك مسيرة حقوق المرأة، في وقت اقتصر تداول الموضوع على الجمعيات الحقوقية طوال السنوات الماضية.
ودعا الملك إلى تفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية، للنهوض بوضعيتها، مشيرا إلى أنه إذا كانت مدونة الأسرة شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية؛ لأن التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق تقف أمام استكمال هذه المسيرة.
ويشكل تعديل بنود مدونة الأسرة معطى ثابتا لدى الحركة الحقوقية المغربية منذ زمن، خصوصا في قضايا الزواج والمسؤولية الأسرية والإرث؛ كما تشدد تيارات الدفاع عن حقوق المرأة على ضرورة توسيع هوامش الحرية والمساواة بين الجنسين.
وكان عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أشار خلال جلسة مساءلة بمجلس النواب شهر يونيو الماضي، إلى أن قانون الأسرة لا يمكن تعديله إلا في إطار المسار الذي عرفه صدوره، أي التوافق بين الجهات الدينية والتشريعية والمدنية والسياسية تحت إشراف للملك.
عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، اعتبر أنه “من المفترض أن أي تعديلات لمدونة الأسرة ينبغي أن تصب في مصلحة الفرد والمجتمع على حد سواء، بل الأكثر من ذلك ينبغي أن تتوافق مع مقاصد الدين الإسلامي الحنيف، دين الأمة وجوهر قيمها”.
هذه المقاصد أتت لحفظ مصالح الناس، ولم تأت أبدا لتكريس الظلم أو الحيف في حق أي طرف؛ فكما يقول الحكماء “حيثما وجدت المصلحة وجد شرع الله”؛ ولذلك، يعتقد الخضري أن الخطاب الملكي الأخير “كان واضحا وبليغا في رسالته بهذا السياق”.
ويقول الحقوقي ذاته: “في ما يتعلق بالقضايا الشائكة التي تحتاج إلى تعديل في مدونة الأسرة، يجدر بي التذكير بمجموعة من الإشكاليات التي يجب التصدي لها في التعديلات المرتقبة، وهي سبع، الأولى: موضوع تزويج القاصرات، فرغم توحيد سن الزواج بين الجنسين في 18 سنة، إلا أن هناك الاستثناء الوارد في مدونة الأسرة، المتمثل في إمكانية النزول عن هذا السن بموجب مقرر قضائي، يعلل المصلحة في ذلك”.
ووفق الخضري فهذا الاستثناء أصبح قاعدة “للأسف”، إذ “تؤكد الإحصائيات الاستجابة لتسعة من كل عشرة طلبات تزويج قاصرات، وحتى في حالة رفض ذلك الطلب يتم الاكتفاء بإبرام زواج الفاتحة، في ظل غياب أي نص قانوني يجرم تزويج الطفلات بشكل غير قانوني”.
“والأدهى من ذلك أن هناك العديد من الأساليب الاحتيالية في التزويج، تنطوي على هدر ممنهج لحق الفتاة المغربية، تعرفها بعض المناطق النائية على وجه الخصوص، مثل زواج ‘الكونترا’ الذي ينبغي التصدي له بكل حزم، لأنه ببساطة شكل جديد من أشكال استرقاق الفتيات وممارستهن البغاء بطريقة تعاقدية”، يورد المتحدث ذاته.
والإشكالية الثانية هي موضوع الولادات خارج مؤسسة الزواج القانونية، “فإذا كان القانون يسمح باعتماد الخبرة الجينية لإثبات النسب أو لنفيه فإن مدونة الأسرة تجعل البنوة غير الشرعية ملغاة بالنسبة للأب، ولا يترتب عن تلك الخبرة أي إقرار بالبنوة الشرعية، ما يؤدي إلى إهدار حق الطفل في نسبه إلى أبيه البيولوجي حين يرفض هذا الأخير الإقرار بالنسب”، وفق الحقوقي ذاته.
وسجل الخضري أن “هذا الوضع القانوني يعتبر تمييزا يحمل المرأة دون الرجل مسؤولية الطفل، إذ يعفى الأب البيولوجي من أي التزام مالي أو معنوي تجاه ابنه، وتبقى الأم وحدها مسؤولة؛ كما يترتب عنه اجتياح نفسية الطفل مجموعة من العقد التراكمية، غالبا ما تنتهي به إلى عالم الإدمان والإجرام”.
وهنا يذكر المتحدث بدراسة ميدانية قام بها المركز المغربي لحقوق الإنسان حول مرتكبي الجرائم بالتسلسل بالمغرب، وأفضت إلى أن “خمسة من عشرة كانوا ضحايا رفض آبائهم البيولوجيين الإقرار بنسبهم إليهم، وأربعة من عشرة نتيجة ممارسة أمهاتهن الدعارة، ما يولد لدى هذه الفئة كراهية للمجتمع ككل، ونزوحا نحو ارتكاب الجرائم في حقه”، وزاد: “وهنا لا نتحدث عن بضع مئات، بل آلاف وربما عشرات الآلاف من الأطفال ضحايا تنكر آبائهم البيولوجيين لهم”..
“الإشكالية الثالثة تهم الولاية على الأبناء، فالمدونة تعتبر الأم نائبا شرعيا على سبيل الاحتياط، يلجأ لها في حالة غياب الأب أو عدم تواجده، أو في حالة وجود مصالح مستعجلة للأبناء، وهو ما تسبب في حدوث مشاكل لا حصر لها للأم وللطفل أثناء إعداد الإجراءات الإدارية الخاصة بالطفل، كما هو الحال أثناء رغبة الأم في الحصول على شهادة انتقال ابنها أو بنتها من مدرسة إلى أخرى. والإشكالية الرابعة خاصة بالمادة 49 من مدونة الأسرة، وهنا يجب الإقرار بوجود صعوبة جمة لدى النساء في الوصول إلى الحق في الأموال المكتسبة بعد الزواج، بسبب عدم اللجوء إلى إبرام عقود تدبير الأموال المشتركة في غالبية الحالات، وذلك لغياب إلمام الأزواج بهذه الأمور، فضلا عن صعوبة وعبء إثبات نصيب المرأة من تلك الأموال المكتسبة”، يورد الخضري.
والإشكالية الخامسة، وفق المتحدث، هي مسطرة الصلح، التي “رغم إلزاميتها في مدونة الأسرة فإنها من الناحية الواقعية عديمة النجاعة، بسبب إشكالات تتعلق بتفعيلها داخل فضاءات المحاكم، لضعف الموارد البشرية والمالية وكثرة الملفات”، مردفا: “لذلك طلبنا مرارا ضرورة مأسسة الوساطة الأسرية، كمسطرة منفصلة يفرض القضاء على الزوجين اللجوء إليها، قبل البت في طلاقهما”.
أما الإشكالية السادسة فتخص المساطر القضائية ذات الصلة بالنفقة لفائدة الطليقة، “ففضلا عن هزالة أغلب التعويضات في الأحكام فإن مساطر تنفيذها تتأخر أكثر من اللازم، بل وتسبب في تشريد الزوجة وضياع حقوقها، بسبب التعقيدات التي تعتري تنفيذ المقررات القضائية، كما أن رسوم التقاضي تثقل كاهل النساء وتعوق حقهن في الولوج إلى التقاضي”، حسب الخضري.
وعن الإشكالية السابعة فتتعلق بقضايا الطلاق، “التي تنتهي بموافقة المحكمة على طرد الطليقة وأبنائها من المسكن الذي كان يأوي الأسرة، بعلة ملكيته لرب الأسرة، وفي بعض الحالات حتى لو لم يوف الطليق بالتزاماته المتعلقة بالنفقة”، وفق الحقوقي ذاته، مردفا: “وهنا يبرز حجم التمييز والظلم اللذين يلحقان بالمرأة وبالطفل جراء مثل هذه الظاهرة الغريبة، التي تقرها بها بعض الأحكام، وتعرض على المركز المغربي لحقوق الإنسان بشكل شبه يومي”.