خبراء التراث يحذرون من طمس الهوية التاريخية لحي المغاربة في القدس
الميزان / الرباط: متابعة أ.ف.ب
almizan.ma
أثارت أعمال التنقيب عن الآثار في ساحة الحائط الغربي أو حائط البراق في القدس الشرقية المحتلة قلقا لدى بعض اختصاصيي التراث، الذين يخشون اختفاء آثار حي عربي عمره قرون دمرته إسرائيل في العام 1967.
وبعد احتلال القدس الشرقية في حرب 1967، هدمت إسرائيل حي المغاربة ولم يبق ما يذكر بتاريخه العربي في الساحة الواسعة التي تعج بالسياح والمصلين اليهود.
ويمثل الحائط الغربي أو حائط المبكى وفق التسمية العبرية أقدس الأماكن الدينية عند اليهود، بينما يشير إليه المسلمون بحائط البراق، إذ يؤمنون بأنه الموقع الذي صعد منه النبي محمد ﷺ على دابة البراق إلى السماء.
في يناير المنصرم، كشفت حفريات تهدف بحسب سلطة الآثار إلى “تعزيز البنية التحتية وتثبيتها وتحسينها” في الموقع عن بقايا منازل وأزقة تمثل “أجزاء” من حي المغاربة.
لكن بعد أيام قليلة، اكتشف صحافية في وكالة فرانس برس أن الحجارة جمعت وسويت مرة أخرى.
يقول المؤرخ الفرنسي فينسينت لومير إن الاكتشافات تضمنت جدرانا يبلغ ارتفاعها مترا تقريبا وآثار طلاء وفناء مرصوفا بالحصى ونظاما لتصريف مياه الأمطار.
وأوضح لومير، الذي صدر له كتاب عن هدم الحي تحت عنوان “عند أقدام السور: حياة وموت حي المغاربة في القدس”، أنه “لم يتوقع أحد اكتشاف هذا العدد الكبير من بقايا حي المغاربة المحفوظة إلى هذا الحد”، وتابع: “كان بإمكاننا السير لبضع ساعات وسط حي المغاربة القديم في شوارعه وساحاته ومنازله”.
وشيّد حيّ المغاربة، الذي كان محاذيا للحائط الغربي أو “حائط المبكى” بالنسبة لليهود، غرب باحات المسجد الأقصى، في عهد صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر الميلادي للحجاج المسلمين من شمال إفريقيا.
ويقع المسجد الأقصى، وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، في الجزء الشرقي من مدينة القدس التي ضمتها إسرائيل، ويشير إليه اليهود بـ “جبل الهيكل”، أقدس المواقع في ديانتهم.
وعند احتلال القدس الشرقية في يونيو من العام 1967 تم إجلاء السكان قسرا من منازلهم قبل هدم الحي في ساعات الليل.
“نوايا غامضة”
يرى مدير منظمة “عيميك شافيه” الإسرائيلية ألون أراد الذي تحارب منظمته تسييس علم الآثار أن نوايا سلطة الآثار غامضة، ويقول لفرانس برس: “الأنشطة الأثرية السابقة في البلدة القديمة ومحيطها تجعلنا نشعر بقلق عميق”.
وتشارك سلطة الآثار الإسرائيلية في العديد من الحفريات المثيرة للجدل في القدس الشرقية، وخاصة في حي سلوان الفلسطيني إلى الشمال من البلدة القديمة، والأنفاق أسفل الحائط الغربي. وتم تحويل الأنفاق إلى متحف واسع يعرض أطلالا تعود للهيكل الثاني الذي دمره الرومان في العام 70 بعد الميلاد؛ وأدى فتحها للعامة في العام 1996 إلى اندلاع اشتباكات عنيفة بين القوات الإسرائيلية والفلسطينيين قتل خلالها أكثر من 80 شخصا.
ويرى الفلسطينيون أن تلك الحفريات تهدد أساسات المسجد الأقصى ومصلياته وباحاته.
ويوضح أراد أن أولوية سلطة الآثار تتمثل في إنشاء موقع أثري واسع يحتفي بالتراث اليهودي فقط في القدس.
ويتهم عالم الآثار السلطات الإسرائيلية بـ “إخفاء أي تراث أو انتماء ثقافي آخر” واستخدام الحفريات من أجل “تهويد” البلدة القديمة.
وشككت سلطة الآثار الإسرائيلية في ادعاءات أراد وقالت إنها لا أساس لها، وأكدت لفرانس برس أنها تعمل على “كل آثار القدس التي تعود لكل الثقافات والأديان التي عاشت في المدينة المقدسة”.
وعن بقايا حي المغاربة التي اكتشفت الشهر الماضي تقول سلطة الآثار إنها حديثة جدا، ولا يمكن اعتبارها آثارا، ومع ذلك أكدت أنها وثقتها وأنّه سيتم نشر المعلومات المتعلقة بها في مجلة علمية.
ولم ترد سلطة الآثار على سؤال فرانس برس حول ما إذا تنوي عرض تلك الآثار المكتشفة للعامة أو وضعها في متحف.
علم مغربي
جرى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمغرب في العام 2020.
ويقول المدير التنفيذي لمركز عبد الرحيم بوعبيد البحثي المغربي، علي بوعبيد، إن المغرب يعمل على الترويج لتراثه متعدد الثقافات، ويضيف لفرانس برس: “إنه تباين غريب أن يحتفي أحد الطرفين بالتنوع بصوت عال بينما يدبر الطرف الآخر بسرية احتفاءه”.
ولا تأتي المعلومات المعروضة في الساحة على ذكر السكان الذين عاشوا في الحي لقرون.
وعلى العكس يُدعى الزوار للصلاة عند الحائط الغربي أو استكشاف الأنفاق حيث يمكنهم “لمس الحجارة الحقيقية التي تروي تاريخ الأمة اليهودية”.
وحده علم مغربي مرفوع في حديقة قريبة يشير إلى تراث السكان الأصليين المتحدرين من شمال إفريقيا.
وكشفت الحفريات الأخيرة أيضا عن ألعاب وأدوات طبخ وغيرها.
ويقول لومير الذي يرأس مركز الأبحاث الفرنسي في القدس إن عرض مثل هذه القطع الأثرية يمكن أن يكون بمثابة شهادة على “التاريخ العادي لهذا الحي الاستثنائي” وسكانه الـ 800 الذين طردوا، ويتساءل: “ما هي المباني في حي المغاربة القديم التي سيتم الحفاظ عليها وعرضها وتسليط الضوء عليها في مسار السياحة؟”، ويضيف: “إذا تم تدمير هذه البقايا الأخيرة في نهاية المطاف فستضيع الآثار المادية لهذا التاريخ إلى الأبد”.