السياسيةكتاب الراىمنوعات

إفريقيا تنزف و تلعق جرحها الغائر

الميزان/ الدار البيضاء: ذ.محمد الشمسي

almizan.ma

إفريقيا تنزف و تلعق جرحها الغائر
الميزان/ الدار البيضاء: ذ.محمد الشمسي
مع كل فجر يزحف جيش من جيوش إفريقيا نحو القصر الرئاسي ليطيح بنظام الحكم في دولته، ويعين جنرال من الجيش نفسه رئيسا، تحت مسميات شتى من قبيل فساد النظام، وحماية الشعب، وغيرها من خطب الانقلابيين، وطبعا لا يكون الرئيس المخلوع شرعيا بقدرما هو نفسه كان انقلابي المنبت، ونصب نفسه رئيسا مدى الحياة بانتخابات مزورة من سنين لأخرى، هكذا يكون قدر إفريقيا أن تعيش بين نار حكم فاسد أو لهيب انقلاب غاشم، تلعق إفريقيا جرح الانقلاب الذي يليه انقلاب، فيثور السؤال مؤرقا موجعا، لماذا كان ولا زال الاستقرار السياسي عصيا على وفي إفريقيا؟ فإفريقيا التي تتقاذفها الانقلابات والانقلابات المضادة ماضية في تثبيت سبل الاستبداد والطغيان لتزف نفسها بنفسها لقمة لأوربا أو روسيا أو أمريكا أو الصين، إفريقيا التي عانت من زمن الرق حين كان الإفارقة يُصطادون في الغابة كما تصطاد الطرائد فيشحنون في البواخر نحو أوربا وأمريكا ويُباعون كأي بضاعة، إفريقيا التي تعرضت لحملة امبريالية شرسة، خرجت من أقبح ظاهرة ابتدعها الإنسان الأبيض العنصري، مفككة في أشباه دول هي أقرب إلى القبائل والعصابات، تعيش في الدرك الأسفل من التفقير والتجويع، رغم أنها خزان عالمي من الغابات والمياه و المعادن والجواهر و الموارد الفلاحية…
كنا نأمل أن تعبر إفريقيا عن استقلالها، وأن تصون سيادتها، وتطرد بقايا ومظاهر الاحتلال من أراضيها، بانخراطها في مسلسل ديمقراطي متين بخصوصية إفريقية صلبة، تكون فيه الكلمة الأولى والأخيرة لصناديق الاقتراع، والالتفاف حول الدولة المدنية العصرية، دولة المؤسسات، سلاحها خيراتها وطاقاتها البشرية، وتدبيرها المحكم، فتقوم إفريقيا ندا لتسترجع ثرواتها المنهوبة والمهربة، وتتحول إفريقيا إلى قارة الصناعة والنماء والازدهار، لا أن يرمي الأفارقة بأنفسهم في البحار والمحيطات والصحاري هربا من جحيم مجاعة وجفاف وحروب أهلية وانعدام للأمن، وفقدان الأمل…
إننا لا نتصور وزير الدفاع في أوربا أو أمريكا يستيقظ باكرا ويشغل محرك دبابته ويقصد البيت الأبيض أو قصر الإليزيه أو قصر باكنغهام ليخلع الرئيس أو الملك، ويغلق الأجواء، ويعلق العمل بالدستور، ويعتقل الرئيس وأعضاء الحكومة، ويعلن نفسه رئيسا، ويخرج الشعب به هاتفا، مثلما لا نتصور أن يقدم رئيس في إحدى القارتين المذكورتين على تعديل الدستور لمنح نفسه ولاية دائمة بانتخابات شكلية مزيفة، ويخرج الشعب له داعما، إننا نتأسف في أن تكون مهمة الجيوش في إفريقيا محصورة في قمع شعوبها لترسيخ الأنظمة المستبدة، ثم الاستيلاء على السلطة حين تتضارب مصالح النظام الفاسد مع مصالح الجنرال المتمرد…
إننا لا نملك لإفريقيا غير الحزن والأسى نشاركها بهما بلواها…
أبناء إفريقيا يقطعون شرايينها وهي تنزف، والوحوش الضارية الشقراء تتربص بها…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى