مدونة الأسرة تحت مجهر “تحليل الخطاب”
الميزان/ الرباط: متابعة
almizan.ma
مدونة الأسرة تحت مجهر “تحليل الخطاب”
الميزان/ الرباط: متابعة
قالت الدكتورة زهور كرام، المتخصصة في تحليل الخطاب، إن مراجعة مدونة الأسرة تأتي في سياق مختلف عن مشروع إصلاح المدونة سابقا، بالنظر إلى دخول المحتوى الرقمي إلى السجال المجتمعي، مشيرة إلى هيمنة مفهوم المراجعة في النقاشات، التي بدأت تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي أمام تراجع مفهوم الإصلاح الذي ساد في التجارب السابقة.
وأثارت الدكتور. أكرام في مقال معنون بـ”مدونة الأسرة والسجال الافتراضي.. بين التعديل والمراجعة”، جملة من التساؤلات من قبيل: كيف يمكن إدماج المحتويات الرقمية في “الشورى” في مدونة الأسرة؟ وهل هذه المحتويات استطاعت أن تنتج خطابا دالا على صوت المجتمع وحاجياته؟ لتخلص إلى كون مفاهيم إعادة النظر والمراجعة والتشاور الجماعي والمحتوى الرقمي مفاتيح كبرى لمراجعة المدونة وللتفكير في نوعية “التعاقد المجتمعي” الجديد للمجتمع المغربي.
وجاء في مضمون المقال أن تشكل مدونة الأسرة منذ رسالة صاحب الجلالة إلى رئيس الحكومة المتعلقة بإعادة النظر في مدونة الأسرة بالمغرب، تفعيلا للقرار السامي الذي أعلن عنه جلالته في خطاب العرش 2022، محطة جديدة من محطات التشاور المغربي الوطني الجماعي حول قضية يلتبس فيها الاتفاق- أحيانا- نظرا للمتغيرات الحاصلة على مستوى تحول المجتمع وحركيته التاريخية من جهة، وتطور التأويل في ثقافة الاجتهاد من جهة أخرى، مع استحضار عنصر الحرية التعبيرية التي باتت تمنحها وسائل التواصل الاجتماعي مع الثورة الرقمية، والتي جعلت كل مُستخدمٍ لها يمتلك موقعا في التعبير، يسمح له بإبداء رأيه مهما كانت خلفيته وطبيعته ووظيفته ومستوى تعليمه ووعيه الديني والسياسي والاقتصادي والقانوني، مما جعل مرجعيات التأويل متعددة ومتنوعة، وهي وإن كانت لا تشكل مرجعيات ذات سلطة تقريرية، غير أنها بوضعها المتداول المفتوح على استقبال مجتمعي كبير، فهي تُسهم في صناعة تصورات وآراء، وتجد في المتابعين أرضية خصبة لانتشارها، ومنحها قوة مجتمعية. وبالتالي، فإن استحضارها عند إعداد المراجعة يصبح أمرا ضروريا تقيس به اللجنة وضعية تفكير المجتمع المغربي، وطرق تمثله للأشياء، وعلاقة متخيله بالتحولات التي يعرفها العصر والمجتمع، وقدرة خطابات المواقع الاجتماعية على التأثير المجتمعي، وخطورة هذا التأثير الذي ينغرس بسيولة خطيرة في وعي كثير من الفئات.
نظرا لكل هذه المعطيات، نلاحظ هيمنة مدونة الأسرة في المحتويات الرقمية عبر تعدد وسائل التواصل الاجتماعي، وتباين التفاعل مع الموضوع بين من وجدها فرصة لتحويل المدونة إلى تجارة رابحة افتراضيا بحصد المشاهدات والمتابعات، ومن حوَلها إلى مسرحية للتسلية، ومن اعتبرها لحظة للتعبير عن رأيه الصدامي، وهناك من حولها إلى صراع بين المرأة والرجل فنتج عن ذلك متابعين مع المرآة وآخرين مع الرجل، وهو ما يضمن للمحتوى الرقمي حصد الآلاف من المتابعات والمشاهدات، وهناك من جعل محور التفكير في المدونة يُختصر في الدين وعمليات تجاوزه، وغير ذلك من محتويات رقمية وجدت في المدونة فرصة لصناعة المحتوى. وهي خطابات افتراضية تدعو إلى تحليلها من أجل تدبير قوة تأثيرها.
هل يؤثر نشاط المحتويات الرقمية في مراجعة المدونة؟ هل يشكل قوة ضغط على اللجنة؟ هل تستطيع هذه المحتويات أن تشكل قوة اقتراحية مؤثرة في المراجعة؟ وهل ينتمي صناع المحتوى الرقمي إلى المجتمع المدني المتعارف عليه؟ هل تنفتح لجنة مراجعة مدونة الأسرة على المحتويات الرقمية؟ هل يمكن التعامل مع المحتويات الرقمية باعتبارها مظهرا من المجتمع المدني الذي تدعو اللجنة إلى الانفتاح عليه؟.
تلك مجموعة من الأسئلة التي تثير بعض مظاهر التحول في المجتمع وطرق التعبير، ودخول المحتوى الرقمي إلى النقاش المجتمعي. وعليه، نستطيع إثارة بعض الملاحظات التي تسمح بإنتاج وعي بسياق التفكير في مراجعة مدونة الأسرة بالمغرب.
– تتم المراجعة في سياق مختلف عن مشروع إصلاح المدونة سابقا، بدخول المحتوى الرقمي إلى السجال المجتمعي.
– اعتماد مفهوم المراجعة أكثر من مفهوم الإصلاح: تأتي مدونة الأسرة في الخطاب الملكي في إطار مفهوم إعادة النظر. ويهيمن مفهوم المراجعة في النقاشات التي بدأت تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، أمام تراجع مفهوم الإصلاح الذي ساد في التجارب السابقة. إن طبيعة مفاهيم خطابٍ ما تعد مُؤشرا على تحول الخطاب ومنهجيته. وإذا كان مفهوم الإصلاح قد ارتبط بالمدونة في التجارب السابقة، فإن الخطاب الحالي ينخرط في مفهومي إعادة النظر والمراجعة. وهما مفهومان مرتبطان بوعي منهجي له علاقة بتجاوز مفهوم الإصلاح باعتباره فعلا مرتبطا بالإصلاح في حدود المُنجز القائم، أما المراجعة فإنها تمتد بالمشروع إلى إعادة النظر في المدونة وٍفق معطيات ذات علاقة بمفهوم التحول المجتمعي، والتطور المؤسساتي، والانتقال التاريخي الذي يعرفه العصر في علاقة بتطور مفهومي الاجتهاد والتأويل.
– استعمال مفهوم “التشاور الجماعي”: جاء في خطاب إعادة النظر/ المراجعة في مدونة الأسرة اعتماد مفهوم التشاور الجماعي. ويُلخص هذا التركيب التعبيري مفهومين اثنين: مفهوم التشاور القادم من المرجعية الإسلامية، قال تعالى: “وشاورهم في الأمر” (آل عمران- 159). و”الشورى” مفهوم لم يتم حصره في فئة أو عينة محددة، إنما تعددت وتنوعت أشكاله لدى المسلمين، فقد تتحدد في فئة معينة، أو تنفتح على العموم، حسب قضايا الشورى والسياق الاجتماعي والسياسي. غير أنها تظل مرتبطة بطلب الشورى، وترك التحديد لموقع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي معين. وجاءت الشورى في التاريخ الإسلامي باعتبارها مفهوما إدماجيا للأمة من أجل تداول النقاش حول موضوع يهم الأمة. ولهذا نطرح الأسئلة التالية: كيف يمكن إدماج المحتويات الرقمية في “الشورى” في مدونة الأسرة؟ وهل هذه المحتويات استطاعت أن تنتج خطابا دالا على صوت المجتمع وحاجياته؟ وهل هذا المحتوى صحي من شأنه أن يدعم النقاش ويُحوله إلى سجال مجتمعي مادام الأمر فيه تشاور جماعي، أم أن الأمر ينزاح بالمدونة إلى محتوى يُخل بجوهر المدونة وهو الأسرة من خلال ضبط العلاقة بين مكوناتها: المرأة والرجل والأطفال؟ هل تدخل المواقع الاجتماعية في إطار المجتمع المدني الذي طالب خطاب إعادة النظر في المدونة بالانفتاح عليه، والاستماع إلى رأيه، أم أن المجتمع المدني اكتسب ذاكرة مرجعية، وتحول إلى سلطة تاريخية يتم الرجوع إليها عندما تتم استشارة المجتمع؟ هل انفتاح المجتمع المدني تاريخيا على المؤسسات الحزبية والإيديولوجية والحقوقية والقانونية والثقافية والاجتماعية أكسبه شرعية المرجع؟.
من جهة أخرى، يُمثل “الجماعي” في تركيبة “التشاور الجماعي” مفهوما وظيفيا في إطار الرؤية الملكية، ويحضر باعتباره منهجية إدماجية للأمة المغربية بمجتمعها ومؤسساتها وهيئاتها من أجل التشاور حول مراجعة مدونة الأسرة.
يدخل التفكير في المدونة في إطار ما يُعرف اليوم بمراجعة المفاهيم، نظرا للمستجدات في الوضعيات الاقتصادية والمعاملات الاجتماعية والوسائط التكنولوجية. ولهذا، فإن مفاهيم إعادة النظر والمراجعة والتشاور الجماعي والمحتوى الرقمي تُصبح مفاتيح كبرى لمراجعة المدونة وللتفكير في نوعية “التعاقد المجتمعي” الجديد للمجتمع المغربي.
المجتمع المغربي زهور كرام مدونة الأسرة مواقع التواصل الاجتماعي